رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التجارة والسياسة وخلل التنافسية

لا يمكن النظر إلى حال التجارة العالمية الراهنة بمعزل عن "المواجهات" التجارية التي سادت الساحة في الأعوام الماضية وأثرت بقوة في مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي، ولا تزال قائمة بأشكال مختلفة، حتى إنها وصلت إلى حد الحرب التجارية بين دول حليفة تاريخيا، مثل أوروبا والولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب. ولا شك أن الحمائية التي تنامت على مدى عقد من الزمن، أسهمت مباشرة في تراكم الضغوط الشديدة على النشاط التجاري، ما ضرب بالفعل حركة التجارة العالمية الحرة. وهذه النقطة تضعها منظمة التجارة العالمية على رأس أولوياتها، في وقت يحتاج فيه العالم حقا إلى توافق على مختلف المستويات بما في ذلك المستوى التجاري الذي يمثل في النهاية الجانب الاقتصادي الأهم، فضلا عن دوره في بناء علاقات سليمة وعميقة بين الأطراف المعنية بهذا القطاع.
العوامل كثيرة، هي تلك التي تسهم في تراجع التجارة العالمية الحرة، من بينها ارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج. ويعود السبب في ذلك إلى ضعف التعاون المباشر في صناعات معينة، والتزام بعض الدول بشكل من أشكال الحمائية التي أدت قبل الانفراج التجاري في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي، إلى اضطراب كبير في الحراك التجاري ككل. وقبل أعوام عادت هذه الحمائية، لتضيف مزيدا من الضغوط على الحالة العامة. والمشكلة الأساسية هنا تكمن في أن العواقب ستكون وخيمة في مرحلة لاحقة، لأن المنافسة تتراجع جراء ارتفاع الأسعار والتكاليف. ولذلك فإن التجارة الحرة تواجه مخاطر جمة ومتعاظمة الآن. ولأن الأمر كذلك، سوء المشهد الإنتاجي العالمي حالة غير صحية من جهة تمركز نسبة هائلة من الإنتاج قد تصل إلى 90 في المائة في مكان واحد.
والمسألة مترابطة بصورة كبيرة مع الأدوات الخاصة بالإنتاج والتوريد والتكاليف. ففي الأعوام الثلاثة الماضية شهدت سلاسل التوريد اضطرابات حادة لا تزال آثارها حاضرة على الساحة حتى اليوم، وأدى ذلك إلى نقص الإمدادات بالطبع، وإلى ارتفاع أسعار المنتجات في وقت يتعرض فيه الاقتصاد العالمي إلى واحد من أعتى الموجات التضخمية في التاريخ الحديث. ولا شك أن الحلول لأزمة التوريد تكمن في العمل على دمج عدد من الدول التي كانت -ولا تزال- مستبعدة، ما يوفر استدامة لسلاسل التوريد التي باتت ضرورية الآن أكثر من أي وقت مضى.
واللافت، أن الأوضاع على صعيد التجارة العالمية الحرة لم تتغير للأفضل كثيرا بوصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى البيت الأبيض. فقبله، كان يتم تحميل إدارة ترمب المسؤولية عن الاضطرابات التجارية المشار إليها عالميا.
الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة اللتين تتصدران قائمة أكبر الاقتصادات في العالم، استمرت وإن بحدة أقل مما كانت عليه في عهد إدارة الجمهوريين السابقة. صحيح أن مستواها تراجع من حرب إلى "مواجهة" أو "معارك"، لكنها تؤثر بصورة سلبية في الساحة الاقتصادية الدولية العامة. ورغم أن هناك كثيرا من القطاعات التي تتصدر الخلافات بين بكين وواشنطن، إلا أن الخلاف الأكبر والأخطر الذي يوصف من قبل المسؤولين الأمريكية بأنه خلاف يتعلق بالأمن القومي، يأتي من جهة إنتاج الرقائق الإلكترونية التي تستأثر بها بصورة كبيرة تايوان، الجزيرة المولدة للصراع الجيوسياسي بين أكبر اقتصادين في العالم. ومن هنا، يمكن فهم جهود الإدارة الأمريكية باستعادة جزء من صناعة الرقائق إلى أراضيها، بعد أن ضخت أموالا على الساحة الأمريكية لدعم هذه الصناعة التي بلغت أكثر من 50 مليار دولار.
وبالمحصلة، ستواجه التجارة العالمية الحرة مزيدا من الضغوط في الأعوام القليلة المقبلة، إذا لم تخف حدة المواجهات الجيوسياسية، وإذا لم تنته الآثار التي تتركها الحرب في أوكرانيا على الساحة الدولية عموما. ولا يمكن الوصول إلى مخرجات جيدة من هذه الأزمة، دون تعاون واضح بين الدول المؤثرة، وتلك التي تملك زمام المبادرة عموما.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي