مشروع متكامل عابر للحدود
توجت قمة "مجموعة العشرين" حقا بالتوقيع على مذكرة تفاهم بشأن مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وهذا المشروع تدعمه السعودية بقوة، وعملت منذ فترة طويلة من أجل وصوله إلى هذه المرحلة، التي تعد نقطة انطلاق لتنفيذه، ولا سيما في ظل الحاجة العالمية الماسة إليه. والميزة النسبية لموقع المملكة الجغرافي تمكنها من لعب دور مهم في مثل هذه المشاريع الاستراتيجية على مستوى العالم.
فالتعاون والتفاهم وتقاطع المصالح عناصر تشكل في النهاية أساسا للعلاقات الدولية كلها، وتدعم تلقائيا مسارات التنمية، كما أنها تعمل على التقليل من الاختلافات أو الخلافات التي قد تظهر بين هذا الطرف أو ذاك. إنها عملية دولية مشتركة، تشترك فيها جهات محورية مؤثرة عالميا.
مشروع الممر الاقتصادي المشار إليه، يأتي كما قال الأمير محمد بن سلمان ولي العهد "تتويجا لما عملنا عليه معا، لبلورة الأسس التي بنيت عليها المذكرة". فالعوائد المتوقعة من هذا المشروع الضخم، لا تختص بالدول ذات الصلة المباشرة به، بل تشمل أيضا الشركاء في الدول الأخرى. ولا بد من النظر إلى المشروع من عدة زوايا، في مقدمتها تعزيز التعاون بين الدول كلها، في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تعاون حقيقي قادر على مواجهة المشكلات الاقتصادية والجيوسياسية التي تعصف في الساحة الدولية منذ أعوام. فقد أثبتت الأزمات السابقة أنه لا مناص من تعاون دولي للوصول إلى حلول ناجعة لها، وضمان عدم تكرارها. ومثل هذه المشاريع الواعدة توفر الضمانة الأمثل في كل القطاعات.
وهذا المشروع الذي يشمل دولا فاعلة ومؤثرة عالميا، لن يكون قاصرا على عمليات التبادل التجاري التي ستتلقى دفعا لا محدودا فحسب، بل يشمل أيضا نقطة مهمة للغاية، تتعلق بتطوير البنى التحتية، بما في ذلك السكك الحديدية، والموانئ وشبكات الطرق وغير ذلك من المجالات اللوجستية. ومن هنا، يكون التبادل التجاري قد وصل إلى مراحل متقدمة كفيلة بضمان المرونة والانسيابية اللازمتين. ولا شيء يمكن أن يطور العلاقات بين الدول كافة سوى الجانب التجاري. فالتجارة تعد في حد ذاتها أداة قوية لتعزيز الصداقة. والعالم يحتاج اليوم إلى دفع النشاط التجاري للأمام، في وقت عانى فيه اضطراب سلاسل التوريد، الذي أضاف مزيدا من الضغوط إلى الاقتصاد العالمي في الفترة الماضية.
ولأن الأمر لا يختص بالتبادل التجاري فقط، وهو محور أساسي بالطبع ضمن مشروع الممر الاقتصادي، فإن جوانب أخرى محورية تضع المشروع على رأس الأولويات العالمية، بما في ذلك ضمان إمدادات الطاقة، والحيلولة دون حدوث صدامات كالتي حدثت في العامين الماضيين، ولا سيما في أعقاب نشوب الحرب في أوكرانيا. فالممر الاقتصادي، يتضمن مد خطوط أنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين، إلى جانب نقطة مهمة أيضا تتعلق بمد كابلات لنقل البيانات عبر شبكة عابرة للحدود بأعلى معايير الكفاءة والجودة والأمان. وهذا يعني أنه مشروع متكامل يجمع كل الميادين المؤثرة في الحراك الاقتصادي العالمي ككل. هذا الممر الاقتصادي الكبير يستهدف نقطة باتت الشغل الشاغل للعالم منذ أعوام، وهي الطاقة النظيفة. فهو سيعزز الخطوات للوصول إلى المستويات المأمولة في هذا الجانب العالمي، فضلا عن المردود التشغيلي له من خلال توليد وتوفير فرص عمل جديدة لكل الجهات المعنية به.
لا شك أن أوضاع ما بعد هذا المشروع لن تشبه ما قبلها من كل الزوايا والاتجاهات، بما في ذلك تنمية العلاقات بين الدول المعنية مباشرة فيه، والوصول إلى مكاسب طويلة الأمد للأطراف كلها.