تصاعد حرب المزايدات مع ارتفاع أسعار مساكن لندن بغرض التأجير
عندما طلبت ألكساندرا رودريجيز من المالك إصلاح جهاز إنذار الحريق في شقتها المستأجرة في جنوب لندن، لم تتوقع أن يكون رده إشعارا بإخلاء البيت، حتى إنه أرسل إليها طلبا رسميا لإخلاء الشقة في غضون شهرين - ثم أعاد الإعلان عنها بإيجار أعلى بنسبة 40 في المائة تقريبا.
وقالت فنية العلوم البالغة من العمر 37 عاما: "لقد أعلنوا عن العقار على منصة رايت موف بسعر 1800 جنيه استرليني شهريا... لهذا السبب تخلصوا منا"، مضيفة أنها كانت لا تزال تتعافى "عاطفيا وماليا" من طردها من منزلها.
تجربتها تعكس تجربة عديد من سكان لندن الذين يتعرضون لارتفاع الإيجارات أو حتى طردهم، لأن أصحاب العقارات يلقون عليهم بالضغوط التي يرزحون تحتها نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة.
إن قطاع الإيجارات الخاصة - الذي أصبح رأس المال في عاصمة المملكة المتحدة يعتمد عليه بشكل متزايد على مدى العقدين الماضيين - معرض بشكل خاص لارتفاع أسعار الفائدة بسبب انتشار الرهون العقارية بالفائدة فقط للمنازل المشتراة من أجل التأجير، الأمر الذي ساعد على إيجاد جحافل من أصحاب العقارات من الطبقة المتوسطة.
وقد بلغت الإيجارات في لندن أعلى مستوياتها المسجلة، وهي أعلى بكثير منها في بقية أنحاء المملكة المتحدة، وأعلى مما هي عليه في عديد من العواصم الأوروبية. فقد ارتفعت الإيجارات في لندن بمقدار الخمس بين مارس عام 2020 ومايو 2023، حيث بلغ متوسط تكلفة الاستوديو في مدينة لندن الكبرى 1275 جنيه استرليني شهريا، وفقا لوكلاء العقارات سافيلز.
ويقول الخبراء: إن طفرة الطلب على الإيجارات تغذيها مستويات الهجرة القياسية إلى المملكة المتحدة وموجة من الطلاب الذين تم دفعهم إلى الإيجارات الخاصة بسبب النقص في سكن الطلاب.
وقال ريتشارد دونيل، رئيس الأبحاث في شركة زوبلا، إن ارتفاع أسعار الفائدة على الرهون العقارية ونهاية البرنامج الحكومي لدعم المشترين لأول مرة، أجبر مزيدا من مشتري المنازل المحتملين للجوء إلى الإيجارات.
وقال دونيل: "القدرة على تحمل تكاليف ملكية المنازل في لندن، حيث يجب أن يكون دخلك 100 ألف جنيه استرليني وأن تمتلك وديعة بقيمة 140 ألف جنيه استرليني للشراء، تعني أن كثيرا من الناس يضطرون إلى الاستئجار". وتتجه مبيعات المنازل في المملكة المتحدة نحو أبطأ عام لها منذ أكثر من عقد، وفقا لشركة زوبلا.
إن ارتفاع الطلب يعني أن المستأجرين يتنافسون بشدة على المنازل، حيث قال نيل شورت، رئيس قسم الإيجارات في لندن في شركة جيه إل إل للعقارات، إنهم يدخلون في حروب المزايدات، وإنهم يعرضون دفع الإيجار مقدما لعدة أشهر.
وقال شورت: "كنت أقوم بتأجير العقارات معظم فترة الـ20 عاما، ولم أر سوى أخيرا حالة اضطررنا فيها لسحب أحد العقارات من السوق، لأنه في غضون نصف ساعة حققنا مشاهدات للعقار لـ20 شخصا. لقد غمرتنا الاستفسارات. وكان علينا أن نضع لها حدا بصورة فعلية".
وما يضيف إلى الضغوط، أن مخزون المنازل المتاحة للإيجار في لندن - غير الكافي أصلا لتلبية الطلب - معرض لخطر الانحسار بعد أن بدأ للتو في التعافي من أدنى مستوى له منذ خمسة أعوام في عام 2022.
وقالت شركة سافيلز: إن أصحاب العقارات الخاصة يوفرون السكن لنحو 4.8 مليون أسرة، أي ما يقرب من خمس جميع الأسر في المملكة المتحدة. ومن بينهم، يوجد أكثر من مليون في لندن الكبرى، حيث يوفرون المأوى لنحو 30 في المائة من الأسر.
وقد ازدهر قطاع الإيجارات الخاصة في بريطانيا في أوائل القرن الـ21 بعد انتشار الرهون العقارية للشراء من أجل التأجير.
إن اعتماد لندن الكبير على القروض ذات الفائدة فقط جعلها عرضة لارتفاع تكاليف الاقتراض، التي تضع نماذج أعمال الملاك تحت الضغط.
وقد ارتفعت فائدة الرهن العقاري السكني لمدة عامين في المملكة المتحدة من 4.5 في المائة في أغسطس 2022 إلى 6.6 في المائة في نهاية أغسطس 2023، وذلك بحسب موقع موني فاكتس. وقد أضر ذلك بالمالكين داخل لندن وخارجها. وقال نيل فرانس وهو مالك عقار مقيم في إسيكس ولديه أربعة عقارات مشتراة بغرض التأجير، إن الزيادات في المدفوعات الشهرية كانت "مروعة" وأجبرته على زيادة الإيجارات كي يتجنب الخسارة.
وأضاف: "كان علينا أن نتواصل مع جميع العائلات، والجلوس مع جميع المستأجرين [و] أن نشرح لهم الوضع".
وتأتي الضربة التي تلقاها المقترضون عقب التغييرات التنظيمية التي أدت بالفعل إلى إضعاف جاذبية استثمارات المنازل الخاصة المؤجرة. وقد ألغت حكومة المملكة المتحدة الإعفاء الضريبي على فوائد الرهن العقاري للمنازل المشتراة بغرض التأجير في عام 2016، في حين يواجه الملاك إمكانية فرض متطلبات جديدة لكفاءة الطاقة في الأعوام المقبلة، إلى جانب التنظيم الأكثر صرامة لسوق الإيجارات.
وقال ديفيد فيل، المحلل في شركة هامبتونز للوساطة العقارية: إن تأثير التغيير الضريبي لعام 2016 بدأ يظهر اليوم، عندما يكون لديك فائدة تراوح بين 6 إلى 7 في المائة ولا يمكن تعويضها كنفقة".
واستعاد المقرضون ملكية 440 عقارا مشترى للتأجير في المملكة المتحدة في الربع الثاني من عام 2023، بزيادة 7 في المائة عن الربع السابق، في حين تخلف 1870 مالكا آخر عن السداد بمبلغ إجمالي يزيد على 10 في المائة من قروضهم المستحقة، وفقا لمجلة يو كيه فاينانس.
وقال فرانس: "لا أستطيع أن أصدق أن أي شخص سيمضي في عملية الشراء بغرض التأجير الآن. أود أن أشكك في سلامة عقلهم".
وكانت القروض العقارية المستحقة للشراء بغرض التأجير قد انخفضت هذا العام، حيث قام أصحاب العقارات بسداد ديونهم أو بيع العقارات لتجنب ضربة ارتفاع الفائدة.
وفي لندن، تؤدي تكاليف الرهن العقاري المرتفعة إلى انخفاض العائدات على هذه العقارات مقارنة بأي مكان آخر. وقال دونيل: "لسوء الحظ، سنرى كثيرا من الملاك القدامى يبيعون عقاراتهم".
وتشير تقديرات شركة هامبتونز إلى أن ما بين ثلث إلى نصف المنازل التي باعها الملاك لا تزال في سوق الإيجارات الخاصة، وبالتالي يحذر الخبراء من أن عمليات البيع تهدد بمزيد من الضغط على المعروض. ومن شأن ذلك أن يزيد الضغط على المستأجرين الأكثر ضعفا في لندن، الذين يعتمد كثير منهم على المنازل الخاصة المؤجرة، لأنهم لا يستطيعون الحصول على الإسكان الاجتماعي.
يشار إلى أن نحو ربع المستأجرين في المملكة المتحدة في قطاع الإيجار الخاص يحصلون على إعانة الإسكان الحكومي، وفقا لتحليل البيانات الحكومية من قبل شركة زوبلا ومؤسسة كرايسيس الخيرية لإيواء المشردين - والرقم في لندن يبلغ 29 في المائة.
وقال دونيل من شركة زوبلا: "لم نقم ببناء ما يكفي من مساكن اجتماعية على مدى الأعوام الـ20 الماضية، لذلك استوعب نمو القطاع الخاص الطلب الذي لم تتم تلبيته. وبمجرد توقف سوق الإيجارات عن النمو، فإنه سيلقي بالضوء على مجموعة كبيرة من المشكلات".
داخل مدينة لندن، تختلف نسبة الأسر في الإسكان الاجتماعي - وهي المنازل التي توفرها المجالس وجمعيات الإسكان غير الربحية بإيجارات مرتبطة بالدخل - اختلافا كبيرا بحسب المنطقة، من أقل من 10 في المائة في منطقة ريدبريدج إلى ما يقرب من 40 في المائة في مدينتي باركينج وداجنهام.
وقالت مجموعة "جينيريشن رينت" للحملات: إن إعانات الإسكان المحلي لم تواكب ارتفاع الإيجارات، لذلك لا يستطيع الأشخاص الذين يحصلون على الإعانات المنافسة في سوق الإيجارات الخاصة.
كما أنهم يخاطرون بالاضطرار إلى العثور على منازل جديدة، لأن باستطاعة أصحاب العقارات في إنجلترا طرد المستأجرين بإشعار بالإخلاء مدته شهران دون أي تفسير، وذلك بعد مرور ستة أشهر من عقد الإيجار.
وسيتم تقييد عمليات الإخلاء هذه بموجب مشروع قانون لإصلاح عملية التأجير الذي يمر عبر البرلمان، لكن القواعد الأكثر صرامة أحرزت تقدما بطيئا منذ التعهد بها في عام 2019.
وقالت مجموعة جينيريشن رينت: إن اللوائح غير الحازمة جعلت الأسر ذات الدخل المنخفض معرضة للخطر بشكل خاص.
إن الإيجارات ترتفع في جميع أنحاء لندن ولكنها تنمو بشكل أسرع في ضواحي المدينة في قصبات مثل هارو وسوتون وهافرينج. وقال دونيل: "القصة الكبيرة في لندن أن المستأجرين يتم دفعهم إلى خارج لندن بحثا عن القدرة على تحمل التكاليف".
وكان مصفف الشعر سولومون (29 عاما)، قد أمضى أسابيع في البحث بشكل محموم عن غرفة بعد أن أعطاه مالك العقار إشعارا لمغادرة شقته في كامبرويل. وبعد أن تمت المزايدة عليه بشكل متكرر، قرر خفض خسائره والانتقال إلى بلدة بازينجستوك في هامبشاير.
وقال: "يمكنني إما أن أنفق كثيرا من المال لأبقى في لندن - في مكان لن أشعر بالراحة فيه بسبب الرطوبة والعفن الذي يؤثر في صحتي العقلية - أو أن أغامر وأخرج من لندن وأتعامل مع المواصلات".
وأوضح سولومون، الذي تستغرق رحلته إلى بيكهام في جنوب لندن الآن أكثر من ساعة، أن مغادرة العاصمة كانت الطريقة الوحيدة التي يمكنه من خلالها العيش بمفرده في شقة جيدة ليس فيها أعطال.
وأضاف: "إن عملي ومهنتي في لندن، وجميع أصدقائي هناك، لكن الأشياء التي أحتاج إليها في هذه المرحلة من حياتي هي المنزل والأمن. لم تعد لندن قادرة على توفير ذلك لي بعد الآن".