لماذا لا تستخدم الشركات الواقع الافتراضي لتدريب الموظفين؟
سابقا في خمسينيات القرن الماضي، طور المصور السينمائي مورتون هيليغ جهاز السينسوراما. وبحجم غسالتين تقريبا موضوعتين فوق بعضهما بعضا، قدم هذا المثال المبكر لتكنولوجيا الواقع الافتراضي (في آر) للمستخدمين محاكاة لركوب دراجة نارية عبر مدينة نيويورك، اشتملت على شم رائحة أدخنة البنزين والبيتزا. وبعد ستة عقود، أصبح من الممكن تقديم تجارب غامرة مماثلة له - وإن كانت دون الروائح - بوساطة نظارة رأس محمولة يمكن وضعها تقريبا في صندوق الأحذية.
هذا الوصول المريح إلى عمليات المحاكاة، حيث يمكن للعمال عبره تجربة سيناريوهات مختلفة والتعرف عليها في بيئة خاضعة للرقابة، يبدو مثاليا لتدريب الموظفين وتطويرهم. ومع ذلك فإن استخدامها غير منتظم ولا عام.
وفي بعض الصناعات، يعد الواقع الافتراضي شائعا حاليا، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أجهزة محاكاة الطيران لتدريب طياري الخطوط الجوية. كما أنه يستخدم في القطاعات التي يحتاج فيها العمال إلى تعلم كيفية العمل في البيئات الخطرة، مثل صناعة النفط والغاز. لكن عديدا من الشركات والمؤسسات ما زالت تحاول تحديد أفضل السبل لاستخدام الواقع الافتراضي للتدريب.
تقول برناديت كولز، الأستاذة المشاركة والمديرة الأكاديمية في كلية إيسيج للإدارة في فرنسا، إن إحدى الفوائد الرئيسة أن الواقع الافتراضي يمكن أن يكون له تأثير حقيقي، مضيفة: "الواقع الافتراضي رائع لمنح الناس مزيدا من الثقة بالاختبارات والتجربة والخطأ، دون العواقب الفعلية للفشل".
وتوضح أنه فاعل بشكل خاص لتدريب موظفي الخدمات، حيث يمكنهم تعلم كيفية التعامل بسرعة مع العملاء الصعبين.
شركة التجزئة الأمريكية وول مارت إحدى الشركات التي تستخدم الواقع الافتراضي بهذه الطريقة. حيث يقول جيمي كارتر، المتحدث باسم الشركة: "الزملاء يستخدمونه لتمثيل سيناريوهات في الحياة الواقعية مثل إظهار التعاطف مع الزبون الذي يمر بيوم صعب أو توصيل مشتريات البقالة داخل منزل الزبون". ويضيف أن الموظفين "أخبرونا أن هذه التجارب تساعدهم على الشعور بمزيد من الثقة والاستعداد للتفاعل مع الزبائن".
ومع ذلك، ما زالت هناك عديد من العقبات التي تعيق اعتماد الواقع الافتراضي على نطاق أوسع لتدريب الموظفين. حيث تجتمع العوامل مثل التكلفة والخدمات اللوجستية والصور الرمزية غير الواقعية جميعها لإبعاد الشركات عنه.
قد تكون أجهزة الرأس أصغر حجما وأقل تكلفة مما كانت عليه في السابق، فضلا عن أنها قادرة على العمل لاسلكيا، لكنها لا تزال غير رخيصة. على سبيل المثال، تبلغ تكلفة سماعة الرأس ميتا كويست برو أقل قليلا من ألف جنيه استرليني. لكن المحتوى ما زال أكثر تكلفة.
وبأخذ المهارات الشخصية كمثال حيث يتلقى الناس دورات تدريبية لتحسين قدرتهم على التواصل والتعامل مع الآخرين، "هناك عديد من الحلول الجاهزة"، كما تقول ألكسندرا روهل، رئيسة قسم تكنولوجيات الميتافيرس في المملكة المتحدة لمجموعة الخدمات المهنية في شركة بي دبليو سي. "ولكن إذا كانت الشركة تريد شيئا أكثر تحديدا، فيجب تطوير محتوى مخصص لذلك، الذي لا يزال مكلفا".
يقول شيريش سريفاستافا، أستاذ نظم المعلومات وإدارة العمليات في كلية إتش أي سي لإدارة الأعمال في باريس، إن أجهزة وبرامج الواقع الافتراضي "تتطلب كثيرا من الاستثمار... فهي تتطلب الصيانة والكفاءة. أنت بحاجة إلى أشخاص يمكنهم بناء هذه [البيئات]". علاوة على ذلك، إذا تم استخدام التكنولوجيا السحابية، أو طرفا ثالثا مزودا، سيصبح للخصوصية والأمان اعتبار آخر.
وعلى الرغم من أن بعض الصور الرمزية للأشخاص في الواقع الافتراضي عالية الجودة، إلا أن الصور غير الواقعية منها يمكن أن تكون منفرة. حيث يقول فيليبو ريزانتي، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة ريبلاي الاستشارية للخدمات الرقمية، إن "البيئة الكرتونية يمكن أن تصرف انتباه المستخدمين عن محتوى التعلم".
ويضيف، "لكن هذه البيئات والصور الرمزية تمثل حلا فنيا وسطا لأن تشغيل بيئة واقعية يكلف الكثير من حيث موارد الحوسبة واستهلاك الطاقة. وهذا بدوره يثير أيضا مسألة الاستدامة".
وهناك مشكلات عملية أخرى، إذ تقول كولز إن نظارات الرأس يمكن أن تتسبب في دوار الحركة، وأنها لا تزال غير مناسبة دائما، خاصة للنساء. وحيث يوجد لدى الشركات آلاف الموظفين، يمكن أن تكون الخدمات اللوجستية لتوزيعها على نطاق شامل معقدة.
ومع ذلك، على المدى الطويل، يمكن أن ينمو دور الواقع الافتراضي في صقل مهارات الموظفين بشكل كبير، خاصة إذا أصبحت نظارات الواقع الافتراضي منتشرة في كل مكان بين المستهلكين.
ديريك بيلش، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سترايفر، شركة للتدريب على الواقع الافتراضي عملت مع شركة التجزئة الأمريكية وول مارت، يرى وجود علاقة مع نوع الوظيفة. ويقول، "عندما يكون عامل الخط الأمامي مستخدما نهائيا، يكون اعتماد [الواقع الافتراضي] أكثر أهمية. ولكن عندما يكون عامل المعرفة هو المستخدم النهائي، فإن الأمر ليس بالأهمية نفسها". ويعتقد بيلش أن ذلك سيتغير بسبب نمو التدريب على المهارات الشخصية، على الرغم من أن إثبات العائد على الاستثمار يمثل تحديا.
ويضيف أن الاستخدام الواسع للواقع الافتراضي للتدريب سيستغرق بعض الوقت، لكن إطلاق شركة أبل لنظارة الواقع المعزز واستثمار شركة ميتا المستمر فيه مهمان. ويقول، "من المؤكد أن شركة ميتا ستضغط بشدة على جانب المستهلك. سيأتي استخدام المستهلك له بشكل واسع خلال الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة".
وتقترح روهل أنه إذا كان من الممكن استخدام سماعات الرأس في سياقات أخرى، مثل الاجتماعات أو غيرها من الأعمال التعاونية، فهناك مبرر أوسع للاستثمار. ومن الممكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أيضا خفض التكلفة، لأنه "يسمح للمستخدمين بتكييف التدريب وفقا لاحتياجاتهم الخاصة... في غضون دقائق، بدلا من الاضطرار إلى بناء وحدة مخصصة".
وفي الوقت نفسه، تقوم الشركات بتقييم إمكانات ما يسمى بالواقع المعزز. هذه التكنولوجيا - التي يتم فيها عرض الصور والمعلومات الرقمية على المحيط الفعلي للمستخدم - يمكن استخدامها لإصلاح المشكلات الآنية في الوقت الفعلي - كما يقول كامران مالك، الرائد في مجال الخدمات الاستشارية العالمية والتعلم والمشاركة الرقمية في شركة أي وأي للخدمات المهنية. ويستشهد بالتصنيع والصناعات الثقيلة كأمثلة. ويقول، "قد تكون لديك مشكلة مع إحدى الآلات، حينها يمكن للواقع المعزز أن يرشدك فعليا إلى ما يجب عليك فعله".
ويقول آندي لانكاستر، رئيس قسم التعلم في معهد تشارترد للأفراد والتنمية، إنه نظرا إلى أن الواقع المعزز، الذي يتم تمكينه بوساطة أجهزة مثل الهواتف الذكية والنظارات الذكية، يمكن أن يحسن الكفاءة والإنتاجية من خلال توفير التوجيه والدعم اللحظي، فإنه "يقدم حلولا غامرة يمكن نقلها إلى معظم أماكن العمل، باستخدام التكنولوجيا المألوفة للموظفين حاليا. وهذا له فوائد كبيرة في تسريع عملية التبني".
لكن الواقع الافتراضي مسألة مختلفة، وبينما تواصل عديد من الشركات تطوير وتجربة التدريب الغامر، يتساءل بيلش عما إذا كان أكبر عائق على الإطلاق "هو مجرد الكسل البشري الأساسي". ويقول، "يبدو هذا قاسيا بعض الشيء، لكنه صحيح. إذ يختار الناس الطريق الأقل مقاومة في الحياة، ومقاومة التغيير حقيقية للغاية. هذه طريقة مختلفة تماما للقيام بالأشياء وطريقة تفكير مختلفة. إنها تتطلب إدارة التغيير".