سباق بطاريات السيارات الكهربائية .. صناعة قد تنقلب رأسا على عقب

سباق بطاريات السيارات الكهربائية .. صناعة قد تنقلب رأسا على عقب

من شرق آسيا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، تستثمر الشركات بموزاة سلسلة توريد البطاريات مليارات الدولارات في قدرات إعادة التدوير في الوقت الذي تواجه فيه نقصا متوقعا في المواد الخام التي ستزود الجيل القادم من المركبات الكهربائية بالطاقة.
لكن مع قيام شركات صناعة السيارات، وإنتاج البطاريات والتعدين بتطوير قدراتها الخاصة في إعادة التدوير أو الشراكة مع المتخصصين في محاولة لجعل سلاسل التوريد أكثر أمانا، وأكثر مراعاة للبيئة وأكثر ربحية في النهاية، فإن الجوانب الأساسية للصناعة الناشئة لم يتم تحديدها بعد.
وقال أندرياس برايتر، الذي يدير مركز شركة ماكينزي للتنقل المستقبلي في أمريكا الشمالية: "حاليا، يشعر الجميع بالقلق بشأن كيفية إنشاء جميع مصانع البطاريات التي نحتاجها. لكن في غضون عشرة أعوام أو نحو ذلك، سيكون السؤال هو ما الذي سنفعله بكل هذه البطاريات عندما تعود إلينا".
لا يزال من غير الواضح ما هي كيمياء البطاريات التي ستسود في السباق العالمي بين الشركتين الصينيتين المنتجتين، كاتل وبي وأي دي، وبين الشركات الكورية واليابانية المنافسة لهما، ما يجعل من الصعب معرفة أي عمليات إعادة التدوير ستكون مطلوبة.
كما تخيم حالة من عدم اليقين على التنظيم المستقبلي، وأسعار المواد، وتكنولوجيات إعادة التدوير وحتى من سيمتلك بطارية مركبة كهربائية في نهاية عمرها الافتراضي، وكل ذلك سيكون له تأثير على تطور الصناعة وجدوى نماذج أعمال محددة.
قال سايمون لينج، الرئيس التنفيذي لشركة ليثيوم أستراليا لإنتاج مواد البطاريات وإعادة تدويرها: "هناك شعور بالفوضى في الصناعة، لأنه لم يعايش أحد هذا من قبل. سيكون هناك أشخاص لا يؤتى على ذكرهم اليوم، لكن سيظهرون في غضون خمسة أو عشرة أعوام كلاعبين رئيسين في السوق".
إن إعادة تدوير البطاريات، التي تنطوي عادة على الصهر، أو المعالجة الكيميائية أو كليهما، لها أيضا تأثيرها البيئي الخاص ويواجه القائمون على إعادة التدوير تحديا في إثبات أن إنتاجهم سيظل أكثر مراعاة للبيئة وأكثر جاذبية من الناحية الاقتصادية من المواد المستخرجة، نظرا للتقدم في تكنولوجيات الاستخراج الأنظف.
ومع وصول عدد قليل من بطاريات المركبات الكهربائية إلى نهاية عمرها الافتراضي، تظل المصادر الرئيسة لمواد اللقيم بالنسبة للقائمين على إعادة التدوير هي الخلايا من المنتجات الاستهلاكية مثل أجهزة الحاسوب المحمولة و"الخردة" من مصانع البطاريات.
ستشكل خردة الإنتاج 53 في المائة من مواد اللقيم المستخدمة في إعادة تدوير البطاريات عام 2025، وفقا لتوقعات شركة ماكينزي. لكن هذه النسبة ستنخفض إلى 43 في المائة بحلول عام 2030، و14 في المائة بحلول عام 2035، و6 في المائة فقط بحلول عام 2040، مع بيع مزيد من المركبات الكهربائية، ويتوقع أن يرتفع الأسطول العالمي إلى 350 مليون مركبة بحلول نهاية هذا العقد.
قال تيم جونستون، رئيس لي-سايكل، شركة إعادة تدوير البطاريات المدرجة في نيويورك والمدعومة من مجموعة جلينكور للسلع: "نرى خردة التصنيع كالمحرك الأول لحجم عمليات إعادة التدوير هذا العقد. والبطاريات منتهية الصلاحية هي العقد المقبل".
يمثل التحول القادم معضلة للقائمين على إعادة التدوير، لأن النماذج اللوجستية والتجارية لإعادة تدوير الخردة والبطاريات منتهية الصلاحية مختلفة تماما.
بالنسبة للقائمين على إعادة التدوير الذين يركزون على خردة الإنتاج، فمن المنطقي إنشاء مرافق بجوار مصانع البطاريات لتدوير المواد مباشرة إلى عملية الإنتاج.
وفي أمريكا الشمالية، حيث يتم تعزيز إنتاج البطاريات عن طريق التشريعات المناخية الرئيسة التي أقرها الرئيس الأمريكي جو بايدن، أدى ذلك إلى سلسلة من الشراكات بين صانعي البطاريات والقائمين على إعادة التدوير.
فقد أعلنت ريدوود ماتيريالز، وهي شركة ناشئة لإعادة التدوير أسسها جيه بي ستراوبيل، كبير مسؤولي التكنولوجيا السابق في شركة تسلا، عن اتفاق العام الماضي مع شريك البطاريات التابع لشركة صناعة المركبات الكهربائية، باناسونيك، لتزويد مواد الكاثود الغنية بالنيكل لمصنع كانساس الجديد التابع لشركة صناعة الخلايا اليابانية.
وتم الاتفاق على شراكات مشابهة بين لي-سايكل ومقرها كندا وشركة إل جي إنرجي سولوشين الكورية المنتجة للبطاريات، وبين شركة إعادة التدوير أسيند إليمينتس ومقرها ماساتشوستس وشركة إس كيه الكورية لصناعة البطاريات.
من ناحية أخرى، يجب جمع البطاريات منتهية الصلاحية من المركبات وتقييم سلامتها وأدائها قبل تفكيكها وخضوعها لعملية إعادة التدوير.
ومع احتمال قيام شركات تصنيع الخلايا وشركات تصنيع السيارات والمستهلكين الأفراد بالمطالبة بملكية البطارية، فمن غير الواضح كيف سيؤمن القائمون على إعادة التدوير إمدادات مستقرة.
كان أحد النماذج أن تمتلك الشركة المصنعة للبطارية، أو شركة صناعة السيارات أو طرف ثالث البطارية طوال عمرها. ويمكن للشركة المصنعة للبطارية أن تؤجر البطارية لشركة تصنيع السيارات، ثم للمستهلك، وثم تعيد استخدامها أو تدويرها بعد أن تصبح غير قادرة على تشغيل المركبة.
قال سام أبو السميد، المحلل في شركة غايد هاوس إنسايتس: إن هذا النموذج "يشبه إلى حد ما توريق القروض، فأنت تقوم بتوريق البطارية"، وأنه قد يكون مناسبا بشكل طبيعي لشركات صناعة السيارات، التي تدير بالفعل أذرع تمويل مملوكة لها تقرض العملاء المال لشراء مركبات جديدة.
في الصين، حيث أسواق المركبات الكهربائية والبطاريات وإعادة التدوير أكثر نضجا مما هي عليه في الغرب، شكلت شركة كاتل ما يسمى بشراكة الحلقة المغلقة التي تجمع شركة إعادة التدوير التابعة لها Brunp مع مجموعة إعادة التدوير الصينية جي إي إم ومرسيدس-بينز الصين لإعادة تدوير البطاريات منتهية الصلاحية.
يقدم ذلك نموذجا محتملا تعمل من خلاله شركات صناعة السيارات -التي لدى بعضها طموحاتها الخاصة في إنتاج البطاريات- والقائمين على إعادة التدوير معا لتأمين البطاريات منتهية الصلاحية لإنشاء أنظمة الحلقة المغلقة الخاصة بهم. وفي الولايات المتحدة، تعمل شركة ريدوود ماتيريالز على بناء شراكات حلقة مغلقة مع فولكس فاجن، وفورد، وفولفو وتويوتا.
لكن بعض المسؤولين التنفيذيين في الصناعة، الذين يلاحظون التحديات اللوجستية التي تواجه محاولة الإشراف على عمليات التجميع، والتقييم، والنقل والتفكيك، إضافة إلى عملية إعادة التدوير نفسها، متشككون في أن نظام الحلقة المغلقة سيثبت جاذبيته على المدى الطويل.
وما يزيد النموذج تعقيدا حقيقة أن البطارية التي لم تعد مناسبة للاستخدام في السيارة لا يزال من الممكن استخدامها لأغراض أخرى، بدءا من إضاءة الشوارع والمنازل إلى تشغيل الأجهزة أو كمخزن للطاقة.
وقال خوسيه ماريا كانسر أبويتيز، رئيس شركة التأمين مابفريز موبليتي لاب: "من السخف وضد أي منطق عدم محاولة تحقيق أقصى استفادة من بطاريات المركبات الكهربائية المستعملة، مع معرفة الجهد، والبحث والتطوير، والطاقة والمواد والاستثمار اللذين استخدما في تطويرها".
ومع الإشارة إلى أن سوق إعادة التدوير "أقل تنظيما" بالفعل من بقية سلسلة توريد البطاريات، يتوقع ماثياس ميدريخ، الرئيس التنفيذي لشركة إعادة التدوير البلجيكية أوميكور، أن تنقسم السوق إلى قسمين، حيث يقوم القائمون على إعادة التدوير ببناء سلاسل توريد منفصلة للخردة والبطاريات منتهية الصلاحية.
قال ميدريخ: "إنه سؤال مطروح على الشركات مثلنا، أين تضع مرافق البطاريات الخاصة بك؟ هل ينبغي أن تشيدها بالقرب من عالم البطاريات أم ينبغي أن تضعها بالقرب من المكان الذي تقوم فيه شركات صناعة السيارات بتطوير حلقاتها الدائرية؟ من الممكن أن يكون هناك نظامان بيئيان يتشكلان".
وستتشكل الصناعة أيضا عبر التطورات التكنولوجية والسياسة في أوروبا والولايات المتحدة، حيث تسعى جاهدة للحد من الاعتماد على الصين في الصناعات الناشئة وإنشاء سلاسل التوريد المحلية.
وقد أقر الاتحاد الأوروبي لوائح تنظيمية تهدف إلى إنشاء "اقتصاد دائري" في البطاريات عن طريق منع البطاريات المستهلكة من مغادرة الكتلة، وفرض أن تحتوي على الحد الأدنى من المحتوى المعاد تدويره بنسبة 16 في المائة للكوبالت و6 في المائة لليثيوم والنيكل. وتستهدف بروكسل إعادة تدوير ما نسبته 65 في المائة من وزن بطاريات الليثيوم أيون بحلول نهاية عام 2025.
قالت سارة كولبورن، كبيرة المحللين في شركة بينش مارك منيرال إنتلجينس الاستشارية: إن القائمين على إعادة التدوير، الصينيين، الذين "يتقدمون بفارق كبير" في الوقت الحالي على أقرانهم الغربيين من حيث التكنولوجيا والحجم، يتطلعون إلى دخول الأسواق الأوروبية وأمريكا الشمالية عبر الشراكة مع لاعبين محليين.
وأشارت إلى "القلق الحقيقي" لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي بشأن تسرب مواد البطاريات من أوروبا إلى الصين، ما يقوض تطور صناعة إعادة التدوير الأوروبية. وقالت: إن أحد الخيارات التي يتم النظر فيها في بروكسل هو إعادة تصنيف "الكتلة السوداء" -بقايا البطاريات المسحوقة بعد إزالة الفولاذ والبلاستيك غير المرغوب- على أنها نفايات خطرة كوسيلة لمنعها من مغادرة الكتلة.
وهناك اعتبار آخر للقائمين على إعادة التدوير الغربيين، وهو ما إذا كانت بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم، أو بطاريات إل إف بي، التي تهيمن على السوق الصينية، ستفوز بسباق البطاريات العالمي ضد بطاريات النيكل والمنجنيز والكوبالت، أو بطاريات إن إم سي، التي تتخصص فيها شركات تصنيع البطاريات الكورية واليابانية.
نظرا لأن فوسفات الحديد أكثر وفرة من النيكل والكوبالت المستخدم في بطاريات النيكل والمنجنيز والكوبالت، فإن قيمة المواد المستردة عن طريق إعادة تدوير بطارية فوسفات الحديد والليثيوم أقل بكثير، ما يعني أن القائمين على إعادة تدوير بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم يميلون إلى الحصول على هوامش أقل بكثير.
لا يمثل هذا مشكلة كبيرة في الصين، حيث يعمل القائمون على إعادة التدوير على نطاق ضخم وبتكاليف رأسمالية أقل. لكن يمكن أن تكون لها تداعيات على القائمين على إعادة التدوير الغربيين -وبالتالي، على الطموحات الغربية المتعلقة بالبيئة وأمن الموارد- إذا سادت بطاريات فوسفات الحديد والليثيوم.
وفي الوقت نفسه، يشير برايتر من شركة ماكينزي إلى أن الصناعة يمكن أن تنقلب رأسا على عقب بسبب تكنولوجيات الملكية التي يطورها جيل جديد من شركات إعادة التدوير الأصغر حجما.
وقال: "يتم الإعلان عن تكنولوجيات جديدة طوال الوقت، وهناك تكنولوجيات جديدة قيد التطوير، ويمكن أن يكون هناك تقدم كبير في أي وقت".
وأضاف برايتر: "لا نعرف ما الذي سنعيد تدويره في المستقبل، ولا نعرف ما هي التكنولوجيات التي سنستخدمها، ولا نعرف كيف ستتطور اللوائح التنظيمية، ولا نعرف كيف ستعمل سوق المواد. هذه هي الأمور التي ستحدد الجدوى التجارية لنموذج إعادة التدوير".

الأكثر قراءة