رغم التضخم المستحكم ولهيب الأسعار والأجواء هناك طفرة سياحية

رغم التضخم المستحكم ولهيب الأسعار والأجواء هناك طفرة سياحية

من طوابير الزوار الذين ينتظرون لمدة ساعتين عند برج إيفل في باريس إلى وضع أثينا حدا أقصى لزوار قلعة الأكروبوليس المكتظة، كان من الصعب عدم ملاحظة فيض السياح العائدين إلى أوروبا هذا الصيف.
رغم الارتفاع الكبير في الأسعار، زادت حجوزات الطيران إلى شمال أوروبا خلال الفترة من يونيو إلى أغسطس بنسبة 25 في المائة مقارنة بالعام السابق، وفقا لشركة جمع البيانات فوروارد كيز، وزادت بنسبة 13 في المائة إلى جنوب أوروبا.
لقد كانت حجوزات الفنادق حول القارة في يوليو أقل بنسبة 4 في المائة فقط من مستويات ما قبل الجائحة للشهر نفسه من 2019، وفقا لشركة تزويد بيانات الصناعة إس تي آر، وازداد الارتفاع في متوسط أسعار الغرف اليومية في النقاط الساخنة مثل باريس، حيث كانت أعلى بنسبة 79 في المائة في يوليو من هذا العام مقارنة بعام 2019.
لقد نعمت صناعة السياحة في المنطقة بأفضل موسم صيفي لها منذ ما قبل الجائحة حيث ساعدت الزيادة في عدد الزوار الأمريكيين في تعويض تأثير الحرارة الشديدة والتضخم المستحكم.
وتوقعت أوليفيا جريجوار وزيرة السياحة الفرنسية، الأسبوع الماضي أن يستفيد البلد الأكثر زيارة في العالم من مكاسب قياسية غير متوقعة تراوح بين 64 مليار يورو و67 مليار يورو من السياحة الدولية هذا العام بعد موسم صيف "جيد للغاية".
استقبلت إسبانيا 47.6 مليون زائر أجنبي في الأشهر السبعة حتى نهاية يوليو، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطني أي إن إي، بزيادة 21 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي وأقل بنسبة 0.8 في المائة فقط عن مستويات عام 2019.
وقال إدواردو سانتانير، الرئيس التنفيذي للجنة السفر الأوروبية، إنه "رغم الوضع الاقتصادي"، فإن اقتصادات المنطقة تعززت بفضل "موسم عطلات مميز".
وعزا سايمون فنسنت، رئيس منطقة أوروبا، والشرق الأوسط وإفريقيا في مجموعة هيلتون الفندقية، نجاح موسم الصيف إلى "مرونة المستهلك وعدد الزائرين الأمريكيين"، مشيرا إلى أنه "يوجد عدد كبير من الأمريكيين في لندن في الوقت الحالي".
ومن المتوقع أن تستقبل برشلونة عددا أكبر من الزوار الأمريكيين هذا العام بنسبة 16 في المائة مقارنة بعام 2019، بينما من المتوقع أن يرتفع عدد زوار لندن من الولايات المتحدة بنسبة 13 في المائة، وفقا لتوقعات شركة أكسفورد إيكونوميكس. ومن المتوقع أن ينتعش إجمالي عدد السياح الوافدين لليلة واحدة إلى المملكة المتحدة وإسبانيا هذا العام إلى مستويات ما قبل الجائحة، وفقا للتوقعات نفسها.
وفي فرنسا، كانت القوة الشرائية الكبيرة للزائرين الأمريكيين عاملا كبيرا في ارتفاع إيرادات السياحة. وقال ديدييه أرينو، رئيس شركة بروتوريزم الاستشارية: "يميل هؤلاء العملاء الدوليون إلى حجز أماكن إقامة فاخرة. ومع عودة العملاء الأمريكيين وغيرهم من أماكن أبعد، سنشهد بالضرورة زيادة في الإيرادات".
وكان أداء الفنادق والمطاعم، التي تلبي احتياجات المسافرين من الطبقة الراقية، جيدا بشكل خاص. في منطقة إيكس-أون-بروفانس المشمسة، كان مطعم ومركز فنون فندق دي جاليفيت ممتلئين طوال الموسم.
وقالت كيت ديفيس، المديرة العامة: "إننا محظوظون بالحماية الناجمة عن حقيقة أن كثيرا من زوارنا ليسوا من بين أولئك الذين يراقبون أموالهم"، مشيرة إلى أنه بينما كان الزوار من الولايات المتحدة، وأستراليا وآسيا "سعداء بدفع 30 يورو مقابل كأس من المرطبات.. إذا فعلت ذلك لزائر فرنسي، فسوف يغادر".
لا يقتصر العام القوي الذي شهده القطاع على الزوار الدوليين فحسب. حيث يقول المشغلون إنه بينما تراجعت الطفرة الوبائية في السفر الداخلي إلى نمط أكثر طبيعية هذا العام، فإن اليقين حول الميزانيات الحكومية الذي توفره العطلات المحلية ساعد في الحفاظ على الطلب المرتفع.
قال توم جينكينز، رئيس تحالف السياحة التابع لهيئة الصناعة البريطانية، إن منتجعات العطلات في المملكة المتحدة ظلت ممتلئة رغم أن طفرة السياحة الداخلية قد "تلاشت بالتأكيد".
قال إيمانويل ماريل، مدير أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة أير بي إن بي، إن هناك بعض الدلائل على أن "الأشخاص الذين يعانون قيودا اقتصادية يفضلون الإقامة المحلية"، مضيفا أنه "عندما ترتفع تكاليف النقل بالقدر نفسه الذي ارتفعت به، فإن ذلك يساعد في الحفاظ على الطلب على الرحلات المحلية".
ومع ذلك، فإن الزيادة في عدد السياح الأمريكيين جعلت كثيرا من الوجهات المحلية غير ميسورة التكلفة بالنسبة لبعض الأسر الأوروبية.
وقالت جايا قادري، وهي معلمة في حضانة تعيش شمال ميلانو: "ذهبنا للتخييم في النمسا لمدة أسبوعين لأنه الخيار الأرخص بكثير مقارنة بقضاء عطلة على شاطئ البحر لأسرتنا المكونة من أربعة أفراد".
وقد تصدرت الحرارة الشديدة حول جنوب أوروبا وحرائق الغابات في جزيرة رودس اليونانية، التي أتت على 15 في المائة من الأراضي وأدت إلى إجلاء نحو 20 ألف شخص، عناوين الأخبار طوال فصل الصيف، لكنها لم تفعل كثيرا لتقليص الطلب على المناخ الأكثر إشراقا في أوروبا.
كانت اليونان الوجهة الرئيسة الوحيدة في أوروبا التي كان فيها إجمالي حجوزات الطيران بين يونيو وأغسطس أعلى منه في الفترة نفسها من عام 2019، مع زيادة حجوزات الصيف بنسبة 10 في المائة عما كانت عليه عام 2019، وفقا لشركة فوروارد كيز.
أما في إيطاليا، فقد سجل الجزء الجنوبي الأكثر سخونة من البلد انخفاضا في عدد السياح، على عكس مدن، مثل: البندقية وروما وفلورنسا حيث كان هناك تدفق للزوار الدوليين.
كان هناك 82 مليون حجز فندقي في البلد في أغسطس، أي أقل بمقدار 800 ألف مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وفقا لاتحاد الصناعة أسوتوريسمو، وهو انخفاض يعزوه بعض الخبراء إلى الطقس القاسي.
يؤدي تدفق المصطافين الأجانب أيضا إلى تأجيج المناقشات القديمة حول السياحة المفرطة في بعض مناطق السفر الساخنة في أوروبا. لقد حظر مجلس مدينة أمستردام الشهر الماضي على السفن السياحية الرسو في الميناء، بينما هدد منتجع بورتوفينو الساحلي الإيطالي بفرض غرامة تصل إلى 270 يورو على السياح الذين يبقون في الأماكن المزدحمة لالتقاط صور شخصية.
وفي البندقية، قدمت عودة السياح دفعة تعزيزية للشركات، لكنها أثبتت أنها ضرورة مزعجة لبعض السكان المحليين الذين أجبروا على الانتقال إلى مكان آخر وسط ارتفاع الأسعار، والحشود وانخفاض الوصول إلى السكن حيث يتطلع أصحاب العقارات إلى تأجير منازلهم لقضاء العطلات.
وقالت جوليا، البالغة 28 عاما التي تتمثل مهمتها في منع السائحين من الجلوس على درج الشوارع المحيطة بساحة سان مارك: "ينتقل كثير من الأشخاص في مثل عمري إلى مكان آخر، لأن الحياة في هذه المدينة صعبة للغاية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية واللوجستية".
وقال سانتاندر من لجنة السفر الأوروبية إنه من المهم أن نتذكر "أن نجاح السياحة لا يقاس بعدد المسافرين والأموال التي يتم إنفاقها فحسب"، مشيرا إلى عودة المشكلات القديمة بما في ذلك "الاختناقات، ونقص الموظفين المهرة، والاكتظاظ وما يترتب على ذلك من آثار سلبية على المجتمعات المحلية".

الأكثر قراءة