الأبحاث الرديئة .. ضعف أم احتيال شائن؟

الأبحاث الرديئة .. ضعف أم احتيال شائن؟

إذا كانت جهود التمويل الجماعي دليلا على أي شيء، فهو وجود تعاطف كبير مع محققي البيانات ليف نيلسون، وجو سيمونز وأوري سيمونسون. لقد اكتسب الرجال الثلاثة – أساتذة تسويق، وإحصاء تطبيقي، وعلوم سلوكي، على التوالي – سمعة طيبة كمدافعين عن أساليب البحث العلمي السليمة. والآن يواجهون دعوى قضائية في الولايات المتحدة تطالبهم بتعويض قدره 25 مليون دولار بتهمة التشهير، فيما جمعت حملة تمويل الدفاع عنهم ما يزيد على 180 ألف دولار في الـ24 ساعة الأولى منذ انطلاقها. وتشمل قائمة المانحين أبرز الشخصيات في العلوم السلوكية، ومن بينها 4900 دولار الذي تبرع بها ريتشارد ثالر، الحائز جائزة نوبل.
في يونيو، نشر كل من نيلسون، وسيمونز وسيمونسون أربع منشورات على مدونتهم التي تدعى داتا كولادا، بكلماتهم الخاصة التي "تتناول بالتفصيل الأدلة على الاحتيال في أربعة أبحاث أكاديمية شارك في تأليفها الأستاذة في كلية هارفارد للأعمال فرانشيسكا جينو".
تتعمق المدونة في تاريخ نسخ جداول بيانات إكسل الخاصة بالباحثين، بحثا عما يقول مؤلفوها إنه دليل على تغيير البيانات يدويا في مواقع غير متوقعة من تلك الأبحاث. وقد رفعت جينو، التي تخضع لإجازة إدارية، دعوى قضائية ضد جامعة هارفارد والأساتذة الثلاثة، مدعية أن أفعالهم أضرت بسمعتها.
يحق للأستاذة جينو، عالمة السلوك، أن تدافع عن سمعتها الحسنة، رغم أن تدفق التبرعات لصندوق الدفاع عن مدونة داتا كولادا يعكس شعورا على نطاق واسع بأن المدونة تؤدي خدمة مهمة. حيث كتب أحد المتبرعين: "هذا الحقل يستفيد من مدونة داتا كولادا". وأعلن آخر: "إن تصحيح الدراسات العلمية يستحق الشكر، وليس العقاب".
وهناك درس أعم يمكن استخلاصه حول العملية العلمية. أن المؤسسات العلمية تفضل الأبحاث التي تعطي الأولوية للكمية على الجودة، والحداثة على المتانة وإنتاج الادعاءات الأصلية بدلا من التدقيق في الادعاءات المعروفة. وكانت النتيجة، كما يقول الباحثان بول سمالدينو وريتشارد ماكيلريث، هي "الانتقاء الطبيعي للعلم الفاسد"، حيث يعاني العمل الجيد فيما يزدهر العمل السيء.
على سبيل المثال، في الأغلب ما يكون من الأسهل "اكتشاف" شيء قابل للنشر إذا كانت أساليب البحث الذي تقوم به دون المستوى المطلوب. وذلك قد يعني عملية احتيال شائنة، وفي كثير من الأحيان، قد يتخذ ذلك شكل مخالفة تبدو بسيطة مثل اختبار كثير من الفرضيات المختلفة والإبلاغ فقط عن النتائج الأكثر إثارة للاهتمام. وهذا يجعل الأساليب الإحصائية التي نستخدمها لغربلة النتائج العشوائية.
إننا محقون في غضبنا من المحتالين أكثر من الباحثين الذين يختصرون الأمور على أنفسهم، لكن إذا كان الهدف هو تطوير المعرفة، فإن الدافع لا يهم. يقول الإحصائي أندرو جيلمان: "إن الأبحاث الرديئة بدرجة يتعذر معها تمييزها من الاحتيال".
في عالم مثالي، يتم توثيق مجموعات البيانات بشكل صحيح ومشاركتها ليتمكن أي شخص من تحليلها. ويتم تسجيل طلبات الاستعلام عن الإحصائيات حتى يتمكن العلماء من معرفة الخطوات التحليلية الأخرى التي اتخذها علماء آخرون بالضبط. ويتم تسجيل التجارب مسبقا، حتى لا تختفي في إدراج الملفات عندما تكون النتائج مخيبة للتوقعات.
كل ذلك من شأنه أن يجعل العلم أكثر دقة وتعاونيا، مع تقليل التركيز على جذب الانتباه وزيادة التركيز على بناء شيء يدوم.
وقد أشارت السيدة أوتولين ليسر، رئيسة الهيئة البريطانية للبحوث والابتكار، إلى أنه إذا قام الجميع بفتح آفاق جديدة ولم يقم أحد بالبناء فوق بحوثهم، فكل ما سيتبقى لديك هو قليل من المساهمات العلمية.
المشكلة، كما يقول ستيوارت ريتشي، مؤلف كتاب ساينس فكشين (الخيال العلمي)، هي أن "كل هذه الأمور مجرد ضوضاء". فالقفز عبر كثير من المعوقات المنهجية بدلا من إجراء تجارب جديدة ممتعة ليس مملا فحسب، بل يضر مسيرة المرء المهنية. إذا كان الالتزام بالمعايير العالية طوعيا، فسيكون الباحثون السريعون وغير الدقيقين قادرين على ضخ نتائج جذابة بينما سيستمر العلماء الذين يتسمون بالدقة في نسف نتائجهم الخاصة.
وفي غضون ذلك، حتى بالنسبة للأشخاص الذين لم تتم مقاضاتهم لدفع 25 مليون دولار، فإن المكافآت مقابل التدقيق بعناية في الأبحاث الحالية ضئيلة. إن المجلات العلمية حريصة على نشر النتائج الجديدة أكثر من نشر "النسخ المتكررة"، وهي دراسات تتحقق مما إذا كانت النتائج التجريبية القديمة صحيحة بالفعل. أما بالنسبة للعمل الذي قام به المدونون في داتا كولادا، فيبدو أنه لا يوجد مكان لذلك في الهياكل الرسمية للمؤسسة العلمية.
اليزابيث بيك، وهي محققة بيانات أخرى، التي تقوم بالكشف عن الصور التي يتم التلاعب بها في الأوراق العلمية، فازت بجائزة جون مادوكس من مؤسسة سينس أباوت ساينس الخيرية عن عملها. لكنها لا تملك منصب بروفيسور. لذلك يتم تمويلها عبر الجهات الاستشارية والداعمين على منصة باتريون. إذا قمنا بتمويل هذا العمل البحثي عبر جمع الأموال من المتبرعين، فلا عجب أن يكون هناك كثير من الأبحاث السيئة والقليل من التدقيق.
يقول المثل إن العلم يصحح نفسه بنفسه. لكن هذه العبارة المبتذلة تحجب حقيقتين غير مريحتين. الأولى هي أن الحقيقة لا تظهر من خلال عمليات تلقائية، بل لأن شخصا ما قام بالعمل الشاق وخاطر بسمعته من أجل اكتشاف الأخطاء. فلا ينبغي لنا أن نفترض أن الحقيقة تظهر بمحض المصادفة. يجب أن نجد المجال والتمويل لذلك في مؤسساتنا العلمية. والحقيقة الثانية هي أنه لا داعي للتصحيح إذا كان العلم صحيحا في المرة الأولى. وهذا يعني تعزيز المعايير الأساسية للعلوم ـ على سبيل المثال، عن طريق دعم جهود التكرار، وعن طريق اشتراط التسجيل المسبق للتجارب العلمية، وعن طريق بناء أدوات لدعم تبادل البيانات والأساليب وتتبعها. هناك بصيص من الأمل في أن يولي العلماء، والمجلات العلمية، والهيئات المانحة، جميعها مزيدا من الاهتمام بهذا العمل.
المكافأة المحتملة هنا هائلة. باستخدام الأدوات الرقمية الصحيحة، وقواعد النشر والمعايير العلمية، يمكننا أن نجعل إجراء البحوث الدقيقة أسهل، وأسهل في المشاركة، وأسهل في التحقق – بينما نجعل الحياة صعبة بالنسبة للعدد الكبير من الباحثين غير الرسميين، وللعدد الصغير من الغشاشين.
الوقاية خير من العلاج. ولم يفت الأوان بعد لرصد الأخطاء وتصحيح السجل العلمي. لكن العلم سيكسب المزيد – وبألم أقل بكثير – في حال دعمت المجلات، والجامعات وهيئات التمويل الممارسات البحثية الأفضل والأكثر متانة منذ البداية.

الأكثر قراءة