عقبة جسيمة أمام الاقتصاد العالمي .. مرض العمال
في 2019، تعرض ستيف إنجهام، الرئيس التنفيذي لشركة بيج جروب آنذاك، لحادث تزلج غير حياته ووضعه على كرسي متحرك. ومع ذلك، عاد إلى وظيفته في غضون أشهر، وقاد شركة التوظيف خلال الجائحة قبل تقاعده العام الماضي.
ووفقا لمدير التنوع في بيج جروب، أولي ثورن، وهو نفسه مستخدم للكرسي المتحرك، فإن العودة بعثت برسالة مفادها "لا بأس أن تكون لديك حالة صحية في العمل". ومن خلال القيادة بالقدوة، قام الرئيس التنفيذي بتغيير مواقف الشركة تجاه الموظفين الذين يعانون ظروفا صحية مزمنة، وشجع المديرين على دعمهم من أجل تحقيق ما يمكنهم القيام به.
قد تبدو قصة إنجهام وكأنها حالة غير عادية. لكن نجاحه يحمل في طياته دروسا مهمة في التعامل مع واحد من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي: المرض لفترة طويلة بين العمال.
فالأشخاص الذين يعانون ظروفا صحية يواجهون عقبات جسيمة في الحصول على العمل والبقاء فيه. ففي 2019، كان الأشخاص ذوو الإعاقة في مجموعة الدول الغنية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر عرضة للبطالة بنسبة 2.3 مرة مقارنة بأولئك الذين ليست لديهم إعاقات، وهي زيادة مقارنة بالعقد السابق.
وقد أصبح الغياب المرتبط بالمرض أكثر شيوعا أثناء الجائحة واستمر في الارتفاع في بعض الدول. ففي المملكة المتحدة، أبلغ نحو 36 في المائة من البالغين في سن العمل عن حالة صحية مزمنة، ونتيجة لذلك أصبح 2.5 مليون شخص غير ناشطين اقتصاديا - بزيادة قدرها 400 ألف منذ مارس 2020. وفي أوساط الذين يعانون ظروفا صحية، بلغ متوسط معدل الغياب المرضي أعلى مستوياته منذ 15 عاما عند 4.9 في المائة، مقارنة بـ1.5 في المائة للأشخاص الذين لا يعانونها.
وقالت لويز ميرفي، الخبيرة الاقتصادية في مؤسسة ريزولوشن للأبحاث، إن الغياب المرضي "مستمر في الوصول إلى مستويات قياسية". وأضافت أن الأشخاص الذين ابتعدوا عن سوق العمل لفترة أطول كانت عودتهم إلى العمل أقل احتمالا. وبينما يكافح صانعو السياسات التضخم ونقص العمالة، فإن هذه ليست مجرد مشكلة للأفراد: "إننا لا نرى تلك الزيادات في المعروض من العمالة التي من شأنها أن تساعد للحفاظ على الاقتصاد".
بالنسبة إلى الشركات، فإن المرض يزيد أيضا من صعوبة توظيف العمال، ويحد من النمو. ومع ذلك، فإن أصحاب العمل ليسوا عاجزين عن المساعدة. حيث يقول الخبراء إنه من خلال ضمان إدارة الأشخاص ذوي الاحتياجات الإضافية بشكل جيد، يمكنهم مساعدة المزيد على المساهمة في عالم العمل.
وقال ثورن إن النهج في شركة بيج جروب كان يتمثل في التركيز على الفرد. حيث يشجع المديرون الموظفين على الإبلاغ عن احتياجاتهم، والسماح لهم بالعمل عندما يكونون أكثر إنتاجية. قد لا يكون ذلك بالعمل من التاسعة حتى الخامسة: على سبيل المثال، تعاني إحدى زميلات ثورن في العمل حالة إرهاق تتعامل معها من خلال أخذ قيلولة أثناء النهار، بينما تبدأ العمل في الصباح الباكر.
وقد استثمرت شركة التوظيف في تدريب المديرين الأمر الذي حسن إمكانية الوصول إلى أنظمة تكنولوجيا المعلومات وتبسيط العمليات للحصول على تعديلات معقولة مثل الاستراحات الإضافية، التي يحق للموظفين ذوي الإعاقة طلبها بحسب القانون. وإذا لم يكن المدير متأكدا من كيفية دعم الموظف، فهو يعرف لمن يوجه السؤال في قسم الموارد البشرية.
وأضاف ثورن: "إن كثيرا من التقاعس عن العمل وتهميش الموظفين ذوي الإعاقة والظروف الصحية ينبع من الخوف من عدم امتلاك جميع الإجابات، أو قول الشيء الخطأ. السؤال هو: ما الذي يمكننا فعله للتخفيف من هذا الخوف؟".
ويتفق مارك بلوا، أحد كبار الشركاء في شركة براون جاكوبسون للمحاماة، الذي يعاني مرض التليف الكيسي في الرئة، على أن التعاون هو النهج الأكثر فاعلية. وقال: "الأمر يتعلق بعدم التسرع في إصدار الأحكام، بل بالسماح للفرد بالتجربة وإنشاء قاعدة من الأدلة" للأمور الناجحة.
وأشاد بلوا بالمديرين الذين دعموه في متابعة مهنة القانون "بكل فن والتزام"، على الرغم من أن نوبات شدة المرض التي أجبرته على الغياب لأسابيع في كل مرة. لكن لم يكن الجميع متفهمين.
وقال: "كنت محظوظا. لو لم أقابل أشخاصا جيدين وانتهى بي الأمر بالعمل في مجالهم، ربما لم أكن حيث أنا اليوم وأحقق نجاحا في ذلك، وهذا خطأ. ينبغي للأشخاص الذين يعانون تحديات صحية ألا يعتمدوا على حظهم في القرعة".
وكان قد استخدم منصبه في لجنة الشراكة في الشركة لتشجيع المديرين على التعامل مع التنوع ليس بوصفه "ممارسة في الامتثال القانوني" ولكن للاستفادة من "نقاط القوة والقدرات الفريدة" التي يطورها الأشخاص للتعامل مع مجاهيل الحياة.
واستنادا إلى استراتيجيته الخاصة المتمثلة في وضع التعديلات المتفق عليها في السجل، فقد عمل مع قسم الموارد البشرية لتطوير "جوازات سفر" بتعديلات معقولة. وتضمن هذه المستندات المحمولة عدم تعرض المتدربين أثناء تنقلهم في الشركة للقلق بسبب المحادثات المتكررة التي تكشف عن تفاصيل سرية حول حالتهم الصحية.
وفي المملكة المتحدة، جذبت هذه المبادرات انتباه الحكومة. إذ من المقرر أن يعلن جيريمي هانت، وزير المالية، هذا العام عن إجراءات لمعالجة الارتفاع في عدد الأشخاص غير القادرين على العمل بسبب مشكلات الصحة العقلية، بما في ذلك تقديم الإعانات لخدمات الصحة المهنية في مكان العمل.
وتأتي هذه الخطط بعد أن قدر مكتب مسؤولية الميزانية أن الإنفاق الإضافي على الرعاية الاجتماعية والإيرادات الضريبية المفقودة المرتبطة بالخمول الاقتصادي المرتبط بالصحة كلف الدولة نحو 16 مليار جنيه استرليني سنويا، وهي أكثر مما كانت عليه قبل الجائحة. حيث يعاني أكثر من نصف الأشخاص المتوقفين عن العمل لأسباب صحية في المملكة المتحدة حالات الصحة العقلية، مثل القلق أو الاكتئاب.
وقالت منظمات الصحة العقلية إنها ترحب بالجهود المبذولة لدعم الأشخاص الذين يرغبون في العمل. ومع ذلك، أكدت ماجي روز، من منظمة الصحة العقلية في العمل التي تعقد الورشات، أنهم بحاجة إلى إدراج أساليب متنوعة أكثر من الصحة المهنية. وقالت: "لا أعتقد أن هذا يناسب الجميع".
كما حذرت أنجيلا ماثيوز، رئيسة السياسات والأبحاث في منتدى الإعاقة في العمل، من التناقضات بين ما "يقوله أصحاب العمل ظاهريا وما يفعلونه داخليا"، فضلا عن التعامل مع الإدماج بوصفه نشاطا تسويقيا.
سارة ويلر، العضوة المنتدبة السابقة لشركة آرجوس للبيع بالتجزئة، شغلت مناصب في مجلس إدارة مجموعة الاتصالات بي تي وبنك فيرجن موني البريطاني على الرغم من تشخيص إصابتها بمرض التصلب العصبي المتعدد في الأربعينيات من عمرها. وقالت إنه لتحقيق دمج الأشخاص ذوي الإعاقة فعليا، فإنه يتعين على مجالس الإدارة "ترسيخ هذه الثقافة".
وهذا يعني الحصول على المقاييس والحوافز الصحيحة: ليس فقط قياس عدد الأشخاص الذين توظفهم الشركة ممن يعانون ظروفا صحية، ولكن قياس مدى شعورهم بالتقدير ومكافأة المديرين الذين يقومون بتأسيس فرق شاملة.
وقالت: "إذا طلبت مجالس الإدارة بانتظام الاطلاع على معلومات حول عدد الأشخاص...... إذا كن نساء أو أشخاصا من خلفيات عرقية مختلفة، لكنهم لا يطلبون أبدا تلك المعلومات حول ذوي الإعاقة، فإن الرسالة واضحة جدا: أن التنوع مهم فقط بالنسبة إلى الجنس والعرق، ولكن ليس للإعاقة".
وأضافت أن استخدام لغة التمكين مفيد أيضا، مستشهدة بشبكات الموظفين التي تحمل أسماء مثل منظمة إينابل. "قد يبدو الأمر بسيطا، ولكن من واقع خبرتي، فإن الأشخاص ذوي الإعاقة يرغبون بشدة في أن يكون التركيز على ما يمكنهم فعله، وليس على ما لا يمكنهم فعله".
وقالت صوفي باسيل إن المحادثات الصريحة قد ساعدت أيضا، وهي (صوفي) التي استضافت منتدى ومسابقة في وكالة العلاقات العامة التي تعمل فيها لتشرح لزملائها كيف أن مرض كورونا، الذي يؤثر في الجهاز الهضمي، يؤثر في حياتها أيضا.
وكذلك في 2019، بعد استثمار ناجح في الأسهم الخاصة في الشركة التي كان يقودها فيل روبنسون في هولندا، أصبح أحد الرؤساء التنفيذيين القلائل الذين أعلنوا عن صحتهم عندما أخبر الموظفين أنه مصاب بمرض باركنسون. وبينما كان يعمل على وضع "التنوع الصحي" على قدم المساواة مع مبادرات الإدماج الأخرى، وقبل أن يتنحى في نوفمبر 2020، استضاف ورش عمل لتشجيع الموظفين على التحدث. وفي وقت لاحق، كشف أحد الزملاء عن تشخيص نهائي كان قد تلقاه.
وأشار بلوا إلى أن الأشخاص الذين حاربوا حالة عدم اليقين والاضطراب في الصحة المتقلبة في الأغلب ما كانت لديهم سمات تحتاج المنظمات إلى مزيد منها. وقال عن الإدارة الشاملة: "من الممكن القيام بها، والقيام بها بشكل جيد". لكن "الأمر يتطلب وقتا، وكذلك يتطلب التطبيق والفضول".