رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التقنية المالية .. هل تهدد البنوك؟

تصدق بحق التعاملات الإلكترونية مقولة "رب ضارة نافعة"، حيث رأينا انتعاشا كبيرا في شتى أنواع التعاملات الإلكترونية بسبب جائحة كورونا وما تم بشأنها من احترازات، نتج عنه لاحقا ارتفاع في أنشطة التجارة الإلكترونية والخدمات الحكومية والمدفوعات الرقمية وغيرها، وأدى ذلك على وجه الخصوص إلى تنامي أعمال ما يعرف بالتقنية المالية التي تعتمد على التقنية الإلكترونية في دعم الخدمات المصرفية وخدمات التأمين والتمويل والاستثمار، حيث يقدر حجم الاستثمارات في مجال التقنية المالية في المملكة، بحسب مبادرة "فينتك السعودية"، نحو 1.5 مليار ريال ما بين سبتمبر 2021 إلى أغسطس 2023.
يظهر تقرير صادر عن مركز التواصل والمعرفة المالية في وزارة المالية ما وصلت إليه التقنية المالية في المملكة العربية السعودية، حيث من المتوقع أن يكون نموها السنوي المركب نحو 25 في المائة من 2022 إلى 2028، ويوجد حاليا 147 شركة ناشئة تعمل في تقديم خدمات الدفع عن طريق الهاتف المحمول، وخدمات المحافظ الرقمية والإقراض والتمويل الجماعي وبرامج الاستشارات المالية الآلية، وغيرها. هل شركات التقنية المالية تشكل تهديدا للمؤسسات المالية التقليدية كالبنوك ومؤسسات التمويل؟
من المفترض ألا تكون هناك منافسة ضارة بين الفئتين فلكل فئة شرائح مختلفة من العملاء المستهدفين من حيث الفئات العمرية ومستوى الدخل والأنماط الاستهلاكية، ومع ذلك فقد أشعل نشاط شركات التقنية المالية روح المنافسة في الخدمات المالية وحرك المياه الساكنة لدى المؤسسات المالية التقليدية التي سارعت باللحاق بركاب التقنية الحديثة على الهواتف المحمولة والتوسع في النشاطات الابتكارية والإبداعية في تقديم الخدمات المالية.
من جهة أخرى، أشار التقرير نفسه إلى التحديات التي تواجه شركات التقنية المالية في العالم نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة منذ عام ونصف في أن ارتفاع تكلفة الاقتراض يحد من التوسع والاستثمار ويرفع من تكلفة الخدمات على هذه الشركات، وفي الوقت نفسه يؤدي ارتفاع الفائدة إلى توجه كثير من الأموال نحو المؤسسات التقليدية للاستفادة من العوائد العالية. لكن في المقابل تستفيد بعض شركات التقنية المالية الحديثة، كتلك التي لديها حلول تمويلية مصغرة مقدمة بطرق جديدة ومبتكرة، من ارتفاع الطلب على خدماتها كنتيجة مباشرة لارتفاع معدلات الفائدة.
لذا يبدو أن الشركات التي تستطيع تقديم خدمات تمويلية، كما هو الحال في شركات الشراء الآن والدفع لاحقا، ستستطيع جذب مزيد من العملاء، لكون نموذج عملها يعتمد على الدفع الأجل دون أي فائدة مالية على العميل، لكن ذلك يتطلب توافر مراكز مالية قوية لدى هذه الشركات لتتمكن من تحمل الأعباء المالية الناتجة عن الدفع الفوري للمحال التجارية وتحصيل الإيرادات من العملاء على شكل أقساط شهرية.
في تقرير حديث صادر عن البنك المركزي السعودي اتضح أن هناك نموا متسارعا في عدد عملاء نموذج الشراء الآن والدفع لاحقا، حيث كان العدد فقط 76 ألف في 2020 وارتفع في 2022 إلى عشرة ملايين عميل، 64 في المائة منهم مرتباتهم الشهرية أقل من عشرة آلاف ريال، يقومون بالسداد بالمتوسط خلال 42 يوما، حيث بلغ إجمالي قيم السلع المبيعة 8.7 مليار ريال، مقارنة بنحو 1.8 مليار ريال تمت خلال 2021.
تمر التقنية المالية بتطورات متسارعة وتزايد في عدد الشركات المتنافسة والحلول المقدمة من قبلها، حيث يأتي ذلك نتيجة التوسع في مفهوم التمويل المفتوح الذي يتيح لشركات التقنية المالية استخدام برمجيات متطورة تقوم بتنفيذ جملة من العمليات المالية نيابة عن العميل. مزيد من التطور المنتظر سيأتي نتيجة بروز تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وهي السوق التي يقدر حجمها في مجال التقنية المالية بأكثر من عشرة مليارات دولار في 2022، إلى جانب سوق تقنية "بلوك تشين" بحجم أربعة مليارات دولار وكذلك الحوسبة السحابية المتعلقة بالتقنية المالية التي يقدر حجمها بـ45 مليار دولار في 2022.
يستفاد من هذه التقنيات الحديثة في المملكة على نطاق واسع من خلال برامج ومشاريع ومبادرات لأبرز الجهات المعنية كوزارة المالية والبنك المركزي وهيئة السوق المالية، وذلك من أجل دعم تطوير صناعة التقنية المالية ورفع كفاءة المعاملات المالية وأمنها وخفض تكاليفها التشغيلية. كثير من الدول المتقدمة تولي عملية التحول الرقمي في مجال التقنية المالية أهمية قصوى وتعدها استراتيجية ذات أولوية عالية وترتكز في تحقيق ذلك على الاستغلال الأمثل للحوسبة السحابية الرقمية وتنمية المدفوعات الرقمية والتركيز على تحسين تجربة العميل كركائز أساسية للانطلاق بالقطاع في هذا الاتجاه في الأعوام المقبلة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي