علم الاقتصاد والأخلاقيات والبيئة
"روح الخضرة" كتاب من تأليف ويليام نوردهاوس، يجوب كل جنبات علم الاقتصاد والأخلاقيات والبيئة، فهو يستطرد في سرد أمور من الوجهة البيئية برؤى متعمقة تنير الأذهان. تناوله استخدام وحدة قياس شدة الضوء "لومين" في الساعة، بديلا لقياس الإنتاجية، مبني على سلسلة من التجارب الرائدة التي أجراها في بحثه عام 1994. يذكر المؤلف تفاصيل نطاق المحاسبة لمكافحة التلوث البيئي والقيود عليها، مؤكدا أهمية البيانات الجيدة في إدارة الموارد البيئية وتوجيه القرارات.
يشدد نوردهاوس على أهمية الموضوعية. ويعطي الغلبة للأدلة على الأيديولوجية، ويعيد تأكيد اعتقاده منذ أمد بعيد بأن السياسة البيئية الفعالة هي "مسألة توازن". ويؤيد في هذا الصدد أيضا منهجه بشأن "الوسطية في إجراء الضبط المالي" في المنتصف بين "اليسار المتطرف"، أي "حركة الخضرة العميقة"، ومنهج "اليمين المتطرف.. الطين البني"، المتربح، "كما يطلق عليه".
وجنوحه الواعي لتفادي الخوض في المنطق وراء مسألة خلافية أمر يبعث على الراحة وجدير بالترحيب. لكن تركيزه معظم الوقت على أدلة استرجاعية جعل أغلب التحليل يرتبط بالتغيرات الحدية في سياق إخفاقات السوق الساكنة. مع هذا، فالتساؤلات البيئية الكبيرة في وقتنا هذا تدور حول عمليات التحول غير الحدية، واحتمالات التحولات الكارثية المؤثرة في النظام. من هذه التحولات انهيار مصايد الأسماك، وسقم غابات الأمطار الاستوائية، وتدمير النظام البيئي، والسرعة الخاطفة لتغير المناخ ـ ويعتقد العلماء أن هذه الفواجع من المحتمل أن تحدث متى تخطينا الحدود الفاصلة بلا رجعة.
يمكن توجيه النقد ذاته لتقييمه المتعلق بالخيارات المتاحة لتفادي الأزمات البيئية. والمؤلف محق في تأكيد الأهمية البالغة لتسعير السلوك المدمر بطريقة تتسم بالكفاءة وعدم التمييز، وتلك رسالة لم تحدث أثرا ملموسا بعد في السياسة المناخية الأمريكية. لكن الإغفال شبه التام لنظرية التغير الفني النابع من الداخل يبخس أهمية تشجيع الابتكار.
يقول المؤلف: إن تخفيض التلوث البيئي باهظ الثمن، فتكلفته "تراوح بين 2 و6 في المائة من الدخل العالمي... من أجل تحقيق الأهداف الدولية"، ويعترف بأنه بينما "يمكن اكتشاف اختراقات تكنولوجية إعجازية في استطاعتها أن تخفض التكاليف كثيرا، لا يتوقع الخبراء أن ذلك سيتحقق في المستقبل القريب". لكن كما يشير بول رومر، وهو شريكه في الحصول على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، هناك مجال أكبر بكثير للإحساس بالتفاؤل المشروط حيال قدرتنا على تحقيق فاعلية التكلفة في تخليص اقتصاد العالم من الكربون.
الابتكار هو الذي يحدد تكاليف عمليات تخفيفه. ومتى توافرت تكنولوجيا متكاملة تستخدم على مستوى العالم وعلى قدر كاف من التنافسية، ستسمح لها وفورات الحجم في الإنتاج والاكتشاف، بإزاحة المنافسين وتبديل البيئة التي تطبق فيها بأكملها. ويفضل نوردهاوس تطبيق سعر عالمي لمكافحة التلوث البيئي، وزيادته مع الوقت، يقوم على برنامج حدي ساكن لتخفيف الأوبئة، يغتنم المستثمرون في ظله عمليات التخفيض الأكثر فاعلية في التكلفة على أقل تقدير. ومع هذا، يقول كثير من خبراء الاقتصاد، إن حفز الابتكار قد يتطلب بالفعل المصداقية في وضع سعر مرتفع في البداية، والتركيز على أكثر القطاعات تكلفة لحفز الابتكار عندما تتاح أعظم الفرص للتشجيع على تخفيض التكلفة.
هذا الكتاب مقدمة دقيقة وبعيدة المدى في علم الاقتصاد البيئي، ومع هذا فإن "روح الخضرة" يمكن أن يكون أكثر وضوحا إذا ملأه بمزيد من روح الاكتشاف.