رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


استدامة الموارد لاستدامة الحضارة

تعد الموارد الطبيعية شريان الحياة وتشمل مجموعة واسعة تأتي المياه على رأس تلك الموارد، ثم الهواء النقي، والأراضي والغابات والتنوع البيولوجي حتى المعادن والمصادر بأنواعها، وإذا كانت هذه الموارد الطبيعية الموجودة دون وعي ولا إدراك ولا جهد من البشر، تعد سببا أساسيا لوجود الإنسان، فإن أي خلل في التوازن الطبيعي بين هذه الموارد سواء في الوفرة أو في النقص، يعني تهديد الوجود الإنساني نفسه.
ومن هنا لا بد أن ندرك جميعا أن استدامة البقاء على هذه الأرض مرتبطة تماما بمفهوم استدامة الموارد، وندرك أيضا بأدلة لا حصر لها أن هذه الموارد محدودة، وبعضها نادر فإن تقنين استخدامها بحكمة هو جزء لا يتجزأ من معاني التنمية المستدامة، التي لا تضمن حصولنا على الموارد الكافية، بل تضمن أيضا حقوق الأجيال القادمة. لكن الإنسان يطغى على هذه الموارد بالاستنزاف الجائر أو بالهدر أو بكليهما، وشهد العالم تقلبات مناخية هائلة طوال التاريخ المسجل ونمت حضارات واندثرت، وفي كل مرة كان الصراع على الموارد سببا لكل هذه الحروب، ونجت من الكوارث تلك الشعوب التي امتلكت ذلك الشعور بالتعايش مع التنوع البيولوجي مع التقلبات المناخية مع قسوة الصحاري، وذلك بحسن إدارة الموارد الطبيعية والتوزيع العادل بين السكان وبين الأجيال، ويظل التنوع البيولوجي من أهم القضايا التي تتعلق بحسن إدارة الموارد الطبيعية، فهو مؤشر قاطع الدلالة على مدى استنزاف الموارد أو صيانتها، فالأرض التي تحظى بالتوازن البيئي وعدالة توزيع الموارد واستخدامها كانت مزدحمة بمجموعة متنوعة من الأحياء والكائنات، واليوم تشير الدراسات إلى انقراض أكثر من 80 في المائة من الأنواع، كدليل على وجود خلل كبير في استخدام الموارد الطبيعية، ولمواجهة هذه التحديات الصعبة أطلقت الأمم المتحدة مبادرات عدة من أهمها مجموعة أهداف التنمية المستدامة (SDGs) بحيث توفر هذه الأهداف إطارا شاملا للدول لتحقيق التنمية المستدامة، وهي في مجملها مكونة من 17 هدفا للتنمية المستدامة تعالج مختلف التحديات العالمية، من بينها الطاقة النظيفة، والاستهلاك المسؤول، والعمل المناخي، والحياة تحت الماء وعلى الأرض. ثم في 2015 تم إطلاق اتفاق باريس كمعاهدة دولية تهدف إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وهي في جوهرها اتفاقية لإدارة الموارد الطبيعية وحسن استخدامها، وهي مبادرة استدامة أيضا، فالمناخ الذي نعيش فيه هو جزء من مواردنا الطبيعية ولا بد من المحافظة عليه عند المستويات المستهدفة.
لكن هذه الأهداف الأممية الـ17 ومعاهدة باريس لم تكونا سوى إطار عام وبمنزلة قاعدة قانونية للعمل من خلالها، ولهذا تباينت دول العالم في تطبيق المبادرات، فمن تطرف في فهم هذه الأهداف والاتفاقيات يقدم مسألة الحفاظ على البيئة على مفهوم الاستدامة، فيحظر حظرا تاما كل الاستخدامات العادلة للطاقة التقليدية، التي لا غنى للإنسان عنها منذ الأزل، فهي موجودة على الأرض كجزء من الموارد الطبيعية واستخدامها يعد جزءا من استدامة البقاء الإنساني وركنا من استدامة الحضارة، بينما تتجه دول أخرى مثل المملكة إلى فهم أكثر شمولية، وتوازن بين استدامة الموارد واستدامة الحضارة، بين الإنسان والطبيعة، فنشأت من المملكة مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون والعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية من جهة، وتشجيع البحث والابتكار في ذلك، وإعادة استخدام هذه الانبعاثات الكربونية من أجل إنتاج موارد طاقة نظيفة من جهة أخرى، فظهرت منتجات مثل الأمونيا الزرقاء، وهي مركب يتألف من الهيدروجين والنيتروجين، ويمكنه أن يسهم في تلبية احتياجات الطاقة العالمية المتزايدة على نحو موثوق ومستدام وبتكلفة ميسرة، وقد افتتحت شركة أرامكو السعودية أول محطة للتزويد بالهيدروجين في المركز التقني الجديد التابع لشركة إير برودكتس في وادي الظهران للتقنية، وفي سبتمبر 2020، أنتجت أرامكو ومعهد اقتصادات الطاقة في اليابان - بالشراكة مع سابك - أول شحنة من الأمونيا الزرقاء وصدرتها من السعودية إلى اليابان بمساندة من وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة في اليابان، حيث تألفت تلك الشحنة الموجهة إلى اليابان من 40 طنا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة لاستخدامها في توليد الكهرباء دون انبعاثات كربونية.
ومن المبادرات التي تعمل عليها الرياض تحقيق مفهوم المناطق المحمية، الذي توج بالأمر الملكي الخاص بالمحميات الملكية، ويهدف إلى الحفاظ على التنوع البيولوجي والمتنزهات الوطنية. وقد أعلن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء قبل أيام التوجهات الاستراتيجية لهذه المحميات الملكية، التي تحقق أعلى مفاهيم الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية، كما تعمل الجهات المختصة في المملكة على تحقيق التوجيهات في السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر.
وليست المملكة الوحيدة التي قدمت مبادرات عملية، فهناك في البرازيل مبادرة تهدف إلى إيجاد التوازن بين التوسع الزراعي والحفاظ على الغابات، وفي أستراليا تم إنشاء هيئة متنزه الحاجز المرجاني العظيم البحري ومنطقة تشاجوس البحرية المحمية في المحيط الهندي لحماية التنوع البيولوجي البحري. وهنا يظهر الفرق الواضح بين الدول ذات المبادرات التي تحقق التوازن بين الموارد الطبيعية واستخداماتها وتحقق الاستدامة المنشودة وتوفر فرص عمل وموارد جديدة وبين بعض الدول والمنظمات التي تهدر وقت الشعوب في تعطيل الحياة ورفع تكلفة المعيشة وأثقال الحياة.
فالعلاقة بين الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة تتطلب إدارة من جوانب عدة تتضمن الحفاظ على الموارد وتقليل النفايات، والحد من التلوث، وكذلك التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة واستخدام التكنولوجيات الخضراء والتعدين المسؤول مع الحفاظ على التنوع البيولوجي والتوازن البيئي، في ظل إدارة المياه والمحافظة عليها، وكل ذلك في ظل التعاون الدولي البناء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي