مهندس الخردة
كلما ابتعدنا عن جذورنا وأرضنا وبيئتنا سواء ثقافيا أو اجتماعيا وحتى صحيا اقتربنا من الخطر أيا كان نوعه. قال أبقراط أبو الطب: "عالجوا كل مريض بنبات أرضه فهي أجلب لشفائه"، وقس على ذلك البناء. يقول الحكيم المهاتما غاندي: "المنزل المثالي يجب أن يبنى بوساطة مواد لا تبعد أكثر من خمسة أميال عن المنزل". السر يكمن في الطين تربة الأرض، فهل هناك شيء أقرب لنا منه وأكثر أمانا لنا إذا عرفنا أن صناعة البناء والتشييد تستهلك بين 30 و40 في المائة من مجمل طاقة العالم وموارده، وهي أيضا مسؤولة عن 40 في المائة من انبعاثات الكربون عالميا!
لذا يتزايد اهتمام المهندسين المعماريين بالبناء بالطين الذي يقلص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن تقنيات البناء ومواده، وفي الوقت نفسه يتحمل درجات حرارة مرتفعة تقلص من احتياجنا لوسائل التبريد، ولكن هل الأمر بهذه السهولة، هل يتحمل الطين العوامل البيئية من أمطار ورياح؟ فضلا عن وجود الأيدي العاملة، ومن الجميل أن المملكة أولت اهتماما خاصا بهذا النوع من الحرف واهتمت بمن بقي من أفراد هذه المهن، كما أن المعهد الملكي للفنون التقليدية يقيم برامج تلمذة تقنيات البناء التقليدي لتدريب الهاوين على هذه الحرفة حتى لا تندثر وإيجاد أيد عاملة تحمل راية هذا النوع من البناء.
واستخدام الطين في البناء ليس مقتصرا على القرى والهجر والمزارع، بل استخدم الطين المضغوط في بناء قصر الحمراء في إسبانيا وكنيسة المصالحة في برلين 2001، وأكبر شاهد على جمال هذا البناء وأصالته وبقائه شامخا حي البجيري في محافظة الدرعية التاريخية. ويشير المدرس إيمانويل كيتا إلى أن 15 في المائة من المباني في فرنسا شيدت بالطين، وبحسب الكاتبين أوجو أوبان وأوبير جيو فإن ملياري شخص "ثلث البشرية" يعيشون في 150 دولة داخل مساكن طينية!
ومن مزج الطين بمواد أخرى تمنحه القوة والصلابة بنى المهندس المعماري الهندي فينو دانيال مساكن مبتكرة استخدم فيها مواد لن تخطر لك على بال! لقد حول آلاف الكيلوجرامات من النفايات إلى منازل مبتكرة صالحة للسكن، وذلك عندما وجد أكواما من المخلفات في مكان عمله فخطرت له تلك الفكرة العبقرية بإعادة تدوير النفايات من الإلكترونيات المرمية، العجلات، آلات غسيل الملابس، والخشب الفاسد، كل هذا أصبح جزءا من فلسفته في البناء التي تتضمن مزيدا من النفايات بدل نقلها من مكان إلى آخر وجعلته يستحق لقب "مهندس الخردة" بجدارة.