مرحلة "وادي الغرابة" .. عالم رقمي أشبه بالحقيقة
في 1970، كتب أستاذ هندسة ياباني يدعى ماساهيرو موري ورقة بحثية مثيرة للاهتمام يقترح فيها أن استجابة الشخص لروبوت ستتحول من التقارب إلى النفور كلما أصبح أكثر واقعية. وأطلق على هذه الظاهرة اسم "وادي الغرابة".
قد يحب الأطفال ألعاب الروبوتات، التي يصعب الخلط بينها وبين كائن حي. لكننا نشعر بمزيد من عدم الارتياح عندما نرى الروبوتات المجسمة ـ أو الصور الرمزية الرقمية في أيامنا هذه ـ التي تشبه البشر إلى حد كبير ثم ندرك بأنها ليست بشرية.
ولكن ماذا يحدث عندما تصبح إبداعاتنا الاصطناعية مقنعة للغاية لدرجة أنها تمر عبر مرحلة "وادي الغرابة" إلى الجانب الآخر؟ أكان ذلك للأفضل أو للأسوأ، سنكتشف ذلك عما قريب، على الأقل في العالم الرقمي.
لقد أدى إطلاق أدوات قوية لإنشاء الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي، مثل دال-إي2 ورانوي، إلى التمكن من إنشاء بعض مقاطع الفيديو الاصطناعية المذهلة التي يقوم ببطولتها بشر وهميون، حتى لو لم يكونوا بعد جيدين بدرجة كافية ليتم الظن خطأ أنهم كائن حي.
تأمل في فيلم ذا فروست، وهو فيلم تجريبي مدته 12 دقيقة من إنتاج شركة ويمارك لإنتاج الفيديو في ديترويت حول كارثة بيئية. حيث قام كاتب بشري بإدخال نص في دال-إي 2، الذي قام بعد ذلك بتوليد كل لقطة في الفيلم. والنتيجة هي فيلم ترفيهي، رغم التناقض فيه، عن مستكشفين تقطعت بهم السبل في القارة القطبية الجنوبية الذي لا يزال يبدو وكأنه فيلم رسوم متحركة أكثر من كونه برنامجا تلفزيونيا واقعيا.
يشعر كتاب السيناريو والممثلون بالقلق الشديد بسبب الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي لدرجة أنهم قاموا بالإضراب في الولايات المتحدة. وهم يطالبون بفرض قيود على استخدام التكنولوجيا من قبل استوديوهات هوليوود وخدمات البث عبر الإنترنت. لكن بعض صانعي الأفلام المستقلين في مهرجان رانواي إيه أي السينمائي في نيويورك في وقت سابق من هذا العام أشادوا بإمكانات استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي لزيادة السرعة وتقليل التكاليف وتوسيع الإمكانات الإبداعية في صناعة الأفلام. فقد قال المخرج بول تريلو: "إن هذه الفترة مثيرة للغاية، فنحن لم نر شيئا مثلها حتى الآن".
رغم التطورات الحديثة في التكنولوجيا، إلا أننا لا نزال بعيدين عن القدرة على إنتاج أفلام كاملة كفيلمي باربي وأوبنهايمر اللذين حققا نجاحا كبيرا هذا الصيف. لكن هذه النماذج تستخدم بالفعل للمساعدة على إنشاء مقاطع فيديو موسيقية وإعلانات تجارية غريبة لشركات مثل بد لايت وأوبر ونايكي وشوكولاتة تيريز.
والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن بعض السياسيين يستخدمون أيضا الذكاء الاصطناعي التوليدي لتركيب الصور. ففي يونيو، أصدر فريق حملة حاكم فلوريدا رون ديسانتيس مقطع فيديو يحتوي على صور من الواضح أنها مزيفة لدونالد ترمب وهو يحتضن أنتوني فاوتشي، كبير المستشارين الطبيين السابق الذي انتقده كثير من الجمهوريين بسبب تأييده عمليات الإغلاق أثناء جائحة كورونا.
انخفضت تكاليف الإنتاج السريع لمقاطع الفيديو التي تستهدف نطاقا واسعا. وزادت احتمالات انتشار صور كهذه خلال الحملة الرئاسية الأمريكية في أعقاب القرار الذي اتخذه موقع إكس، المعروف سابقا باسم تويتر، هذا الأسبوع بإلغاء الحظر الذي فرضه منذ أربعة أعوام على الإعلانات السياسية.
يخبرني وسيم خالد، المؤسس المشارك لشركة بلاك بيرد إيه آي، وهي شركة ناشئة مقرها في ولاية نيويورك تساعد على مكافحة المعلومات المضللة، أننا قد تجاوزنا بالفعل مرحلة "وادي الغرابة" عندما يتعلق الأمر بالصور الثابتة. ووجدت دراسة استقصائية أجرتها شركة سيزيغي جروب الإعلامية في ألمانيا هذا العام أن 8 في المائة فقط من المشاركين حددوا بشكل صحيح صورة للأوجه البشرية الحقيقية عند مقارنتها بثلاث صور أخرى تم توليدها بوساطة الذكاء الاصطناعي. إنها مسألة وقت فقط قبل أن تمر الصور المتحركة عبر مرحلة "وادي الغرابة".
لكن خالد يشير إلى أن شبكة الإنترنت قد شوهت منذ فترة طويلة تصوراتنا للواقع على أي حال. فعلى الأرجح أن تكون صور الأشخاص التي نراها في أغلب الأحيان عبارة عن صور معدلة ببرنامج الفوتوشوب على إنستجرام أو أغلفة معدلة رقميا لنجوم السينما في المجلات، ويتم استخدامها لتدريب الذكاء الاصطناعي. ويقول: "إن الذكاء الاصطناعي لا يعد تمثيلا للإنسانية. إنه تمثيل للنسخة الرقمية للإنسانية، وهو انحراف أو مبالغة عما نحن عليه".
هذا يثير احتمالية أننا قد ندخل عالما تبدو فيه النسخ المصطنعة للواقع أكثر واقعية من الواقع نفسه. ومع أن هذا يبدو مثيرا للقلق، إلا أنه لن يبدو غريبا بالنسبة إلى بعض الفنانين. كما قال بابلو بيكاسو ذات مرة: "كل ما يمكنك تخيله هو حقيقي". وتقوم الآلات بتوسيع حدود خيالنا بشكل حتمي.