صوت المواطن يعيق تطور البنية التحتية
إذا تم الانتهاء من المرحلة الأولى من مشروع إتش إس2، وهو مشروع السكك الحديدية عالية السرعة الذي يربط العاصمة البريطانية بثاني أكبر مدنها، فسيكون أكثر المخططات تكلفة من نوعه في العالم، حيث يصل إلى مبلغ 396 مليون جنيه استرليني لكل ميل من السكة.
لم يكن من الضروري أن يكون الأمر على هذا النحو. عندما افتتحت فرنسا المجاورة امتدادا جديدا لشبكتها عالية السرعة طوله 188 ميلا في 2017، كلف 46 مليون جنيه استرليني لكل ميل قياسا بأموال اليوم، أي ما يزيد قليلا على عشر التكلفة، واستغرق إنجاز المشروع 12 عاما منذ بداية التخطيط وحتى أول قطار يحمل الركاب، أي نصف المدة المتوقعة البالغة 23 عاما للمرحلة الأولية من مشروع إتش إس2.
قد يكون هذا مثالا سيئا بشكل خاص، ولكنه يمثل أيضا نمطا أوسع: بناء البنية التحتية في المملكة المتحدة يكلف أكثر بكثير من معظم الأماكن الأخرى. بمتوسط أكثر من 12 ضعفا من مشاريع السكك الحديدية الكبرى الأخيرة، وبعد تعديلها حسب التضخم، تكلف المخططات البريطانية 262 مليون جنيه استرليني لكل ميل، مقارنة بـ145 مليون جنيه استرليني لكل ميل لشبكة القطارات السريعة في اليابان، و92 مليون جنيه استرليني في السويد، و74 مليون جنيه استرليني في إيطاليا، و42 مليون جنيه استرليني في فرنسا، و34 مليون جنيه استرليني في ألمانيا.
والصورة مشابهة بالنسبة إلى الطرق، حيث تكلف جسور الطرق السريعة الجديدة في المملكة المتحدة أكثر من ثلاثة أضعاف تكلفة كل ميل من المسارب مقارنة بفرنسا أو الدنمارك أو النرويج، وتكلفة الممرات الإضافية على الطرق البريطانية الحالية تبلغ ضعف تكلفتها في ألمانيا. وفي كلتا الحالتين فإن الولايات المتحدة وحدها هي التي تواجه تكاليف أعلى.
إننا قادرون على إجراء هذه المقارنات لأول مرة بفضل قواعد البيانات الدولية الجديدة لتكاليف البنية التحتية للسكك الحديدية والطرق، التي أنشأتها مجموعة الحملات المؤيدة للنمو "بريتن ريميد" بناء على مشروع تكاليف النقل الذي يديره معهد مارون لإدارة التخطيط الحضري في جامعة نيويورك.
إن التكاليف الضخمة والمدد المتضخمة ليستا منفصلتين. ففي دراسة أجريت في 2019، كتب اثنان من الاقتصاديين الأمريكيين أن صعود الحركة البيئية وظهور أصحاب المنازل كجماعات ضغط منظمة - يسمونه "صوت المواطن"، وقد يسميه آخرون "النيمبية" (اختصار لمبدأ أو شعار الجماعات أو الأفراد الذين يعارضون تطوير أحيائهم) - قد أضاف تأخيرات وتعديلات كبيرة وتكاليف مرتبطة بمشاريع البناء في الولايات المتحدة.
حسب الباحثون أن زيادة مقدارها 0.01 ميل سنويا في "اهتزاز" الطريق - وهو الشيء الذي يمكن أن ينجم عن الحاجة إلى إضافة إنفاق أو قطع أو حواجز ضوضاء إضافية إلى الطريق - تأتي مع زيادة في التكاليف قدرها 9.7 مليون دولار. لقد أضافت هذه الأنواع الدقيقة من التعديلات بالفعل وقتا وتكلفة كبيرة إلى مشروع إتش إس2.
وليس من العزاء أن بعض الأشخاص الذين كرسوا أنفسهم للحملة ضد هذه المشاريع في الماضي قد اعترفوا منذ ذلك الحين بأن مخاوفهم لم تتحقق على أرض الواقع. يبدو دائما أن هناك صفوفا جديدة من حاملي شعار النيمبية "ليس في عقر داري" تنتظر لاقتناص الفرصة.
إن نتيجة هذه الحلقة المفرغة من الاعتراضات والتأخير، وفي بعض الحالات الإلغاء التام لأجزاء كبيرة من المشاريع مع تصاعد التكاليف، فإن كلا البلدين - خاصة بريطانيا - يعانيان نقصا كبيرا في تنفيذ البنية التحتية للنقل، ما يسبب عبئا هائلا على الإنتاجية.
فما يزيد قليلا على ثلث خطوط السكك الحديدية فقط في بريطانيا مكهربة، فضلا عن السرعة العالية، ليس فقط متخلفة عن فرنسا بنسبة 59 في المائة، بل أيضا بولندا بنسبة 63 في المائة وبلغاريا 74 في المائة. و21 في المائة فقط من المدن الأمريكية التي يزيد عدد سكانها على 250 ألف نسمة لديها أي من هذه الخطوط، أو شبكة مترو أو سكك حديدية خفيفة أو ترام، مقارنة بالتغطية الشاملة في المدن الدنماركية، و88 في المائة في ألمانيا، و80 في المائة في فرنسا. هل ترغب في تخمين الدولة الغربية المتقدمة الوحيدة التي سجلت نتائج أسوأ من الولايات المتحدة في هذا الصدد؟ هذا صحيح: بريطانيا، حيث يوجد ترام في ثمان فقط من أصل 52 مدينة وبلدة.
ولكن ليست السكك الحديدية وحدها هي التي تعوق المملكة المتحدة بتكلفتها على نحو متزايد: بل إن الجمع بين وسائل النقل العام السيئة خارج عاصمتها والطرق السيئة في كل مكان هو ما يميز بريطانيا حقا. وأداء المدن الأوروبية (ولندن) جيد فيما يتعلق بوسائل النقل العام لكن قابلية التنقل بالسيارات أقل فيها، بينما تحسنت المدن الأمريكية في الاتجاه المعاكس. لكن المدن البريطانية تعاني أسوأ ما في العالمين: وسائل النقل العام المتهالكة وشبكات الطرق المختنقة، ما يقلل من حجمها الفعلي والفوائد المحتملة لتكتلها.
إحدى الأفكار السائدة في بريطانيا حاليا هي دفع أموال لحركات النيمبية لإقناعها بالسماح بإقامة بنية تحتية جديدة، لكنهم يفرضون بالفعل ضريبة على البلد منذ عقود.