الهدايا في الثقافة الغربية .. تبادلية أم رابطة اجتماعية؟
في مأدبة غداء في نيويورك قبل بضعة أيام، تحولت المحادثة إلى موضوع مؤثر وهو القبول في جامعات النخبة. سأل أحد المشاركين من باب الدعابة، لكن فيه نوع من الجدية: "ما نوع الهدية التي تحتاج إلى تقديمها لتضمن لشاب متوسط المستوى مكانا في جامعات رابطة آيفي هذه الأيام؟".
ثم طرحت التقديرات حول الموضوع. اعتبر مبلغ مليون دولار قليلا، وبدا أن 100 مليون مبالغ فيها. لكن الإجماع كان على أن "الهدية" ينبغي أن تكون كبيرة بما يكفي لتمويل مبنى، أو منشأة رياضية، أو منصب جامعي، ويبدو أن السعر آخذ في الارتفاع في أعقاب القلق والمنافسة حول القبول في الجامعات.
إن مناقشة امتياز الوصول إلى جامعات النخبة الذي يتمتع به بعض الطلاب الأثرياء من شأنها أن تثير غضب التقدميين، خاصة منذ حكم المحكمة العليا ضد التمييز الإيجابي تجاه الأقليات. من المرجح أن يكون هناك عدد كبير من القضايا القانونية بشأن عمليات القبول على أساس القرابة "أحد أفراد العائلة من الوالدين أو الأجداد خريج الجامعة نفسها" خلال العام المقبل، حيث يواصل المنتقدون تحدي الوضع الراهن.
لكن ذلك لن يكون سهلا. في النهاية، يرجع جزء من سبب حصول كليات النخبة في الولايات المتحدة على التمويل الجيد وجاهزيتها الجيدة لإجراء البحوث المتطورة إلى قاعدة المتبرعين الواسعة، التي غالبا ما ترتبط بالخريجين. ولا يمكن للجامعات البريطانية، التي تحظر القبول على أساس القرابة، إلا أن تحلم بمثل هذا السخاء.
كي نكون منصفين، يحصل معظم الطلاب على أماكنهم في جامعات رابطة آيفي دون تبرعات عائلية، وكثير من التبرعات المقدمة من العائلات التي لها علاقة بالجامعات تأتي دون أي توقع مباشر لأي تفضيل للقبول. لكن ما دام هناك تصور بأن البعض يستطيع التلاعب بالنظام من خلال "الهدايا"، فإن هذا الجدل سيستمر في الاحتدام. ولسبب وجيه نظرا لأنه، كما وجدت دراسة حديثة أجرتها منظمة أوبورتيونيتي إنسايت للأبحاث في جامعة هارفارد، عندما يتعلق الأمر بالقبول في عشرات من جامعات النخبة، فإن أبناء العائلات المرتبطة بالجامعات يتمتعون بميزة واضحة على غيرهم من الشباب الذين يحصلون على درجات الاختبار نفسها.
لكن أكثر ما يذهلني في محادثة الغداء في نيويورك هو كيف أنها تجسد أيضا تفكيرنا المتشابك بشدة حول "الهدايا" في الثقافة الغربية بشكل عام، سواء أكانت هدايا مقدمة إلى كليات النخبة أو هدايا متواضعة تقدم للعائلة أو الأصدقاء.
طرح هذه الأفكار قبل قرن تقريبا مارسيل موس عالم الاجتماع الفرنسي في مقالته المؤثرة التي نشرت في 1925 بعنوان Le Don "الهدية". افترض موس وجود فرق بين المجتمعات الصناعية والمجتمعات ما قبل الصناعية. في الأخيرة، كان تقديم الهدايا بمنزلة رابط رئيس يربط المجتمعات ببعضها بعضا، لأنه يوجد التزامات لاحقة ومعاملة بالمثل، إما عن طريق التبادلات الفورية والثنائية، أو وهو الأهم، من خلال المعاملة بالمثل الثنائية المتأخرة أو المعممة. فإذا أعطيتك بقرة، فأنا أتوقع الحصول على واحدة لاحقا، وإذا شاركت محصولي مع القرية، فسيرد شخص ما الجميل في المستقبل.
قال موس "إن الثقافات الغربية الصناعية تتبنى نهجا مختلفا. تتم مناقشة الهدايا عادة مقابل التجارة، وليس بدمجهما معا. في حين إن المعاملات التجارية هي تبادلية، فإنه يتم تعريف "الهدايا" بأنها غير تبادلية. فهي تحتفي بالروابط الاجتماعية ويقل احتمال التوسط فيها بالمال. لهذا السبب نميل إلى تمزيق ثمن زجاجة المشروب التي نأخذها إلى منزل أحد الأصدقاء لتناول العشاء، أو نعتبر مناقشة سعر هدية عيد ميلاد أمرا سيئا، ولهذا السبب أيضا يتم الاحتفاء بـ"الهدايا" المقدمة للجامعات الأمريكية دون ذكر أي رابط مباشر للقبول.
كلما أصبح الاقتصاد السياسي الأمريكي أكثر مالية، أصبح ينظر إلى فكرة تقديم الهدايا غير النقدية باعتبارها فكرة مضادة. في مهرجان بيرنينج مان في صحراء نيفادا، مثلا، تم حظر جميع أشكال التجارة تقريبا كرفض متعمد للرأسمالية وثروة وادي السيليكون. بدلا من ذلك، تم تشجيع الحاضرين على تبني روح "الإهداء" للمهرجان عبر توزيع كل شيء بدءا من الطعام المجاني وحتى جلسات التدليك.
في الحياة اليومية، غالبا ما ينظر إلى الانقسام بين التجارة وتقديم الهدايا على أنه تقبل لفكرة مخالفة للواقع لمجاراة المجتمع. عندما نأخذ زجاجة من مشروب باهظ الثمن لتناول العشاء، سيلاحظ عشاق الطعام القيمة الضمنية. وعندما تبين أن كلارنس توماس، قاضي المحكمة العليا، قد حصل على إجازات "كهدايا" من هارلان كرو، وهو أحد المتبرعين الأثرياء، كانت هناك صرخات احتجاج حول تجارة المصالح المتصورة "ينفي توماس وكرو مزاعم ارتكاب مخالفات". وعلى نحو مشابه، تشكل الهدايا التي يقدمها بعض الأمريكيين الأثرياء للجامعات سمة من سمات الاقتصاد السياسي الأوسع نطاقا، وليس خللا فيه. من الممكن في أي مجتمع إيجاد طرق لإعادة إنتاج الامتيازات، باستخدام رأس المال الثقافي والاقتصادي.
إن المفاجأة الوحيدة هي أن كلمة "هدية" تستخدم لوصف هذه التبادلات دون الطعن فيها.