اتجاهات متباينة تربك صورة اقتصاد المملكة المتحدة

اتجاهات متباينة تربك صورة اقتصاد المملكة المتحدة

رسمت بيانات المملكة المتحدة صورة متناقضة خلال الشهرين الماضيين. نما الاقتصاد بشكل أسرع من المتوقع في الربع الثاني، وارتفعت ثقة المستهلك وكان الاقتراض العام أقل بكثير مما كان متوقعا على خلفية الإيرادات الضريبية القوية.
لكن مؤشرات مديري المشتريات، أو بي إم آي إس، التي تقيس النشاط الاقتصادي في الوقت الفعلي، انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ كانون الثاني (يناير) 2021، وكانت المبيعات ضعيفة وبدأت البطالة في الارتفاع.
تسببت الاتجاهات المتباينة في حدوث ارتباك في الأسواق، ما أدى إلى تقلب أسعار السندات وتوقعات أسعار الفائدة. وسرعان ما ارتفع كل من عائد السندات الحكومية لأجل عامين وتوقعات سعر الفائدة لديسمبر بعد الإبلاغ عن نمو قياسي للأجور الشهر الماضي، لتنخفض مرة أخرى بعد مؤشرات المعنويات المخيبة للآمال. إذن ما الذي يحدث؟

التضخم ونمو الأجور
يقول اقتصاديون إن دوامة الأخبار الاقتصادية المتضاربة يرجع سببها إلى حد كبير إلى الركود التضخمي، الذي يشير إلى فترة من التضخم المرتفع إلى جانب ركود الاقتصاد. وعندما يحدث ذلك، فإن المقاييس التي لم يتم تعديلها، حسب نمو الأسعار يمكن أن ترتفع بسرعة.
يتجلى هذا الاتجاه بوضوح في الأجور في المملكة المتحدة، والتي ارتفعت بأسرع وتيرة مسجلة في الأشهر الثلاثة حتى حزيران (يونيو)، والتحركات المرتفعة من وظيفة إلى أخرى، التي تعكس العمال الذين يحاولون الحد من الضرر الذي يلحق بمواردهم المالية بسبب ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة.
في حين أن التضخم آخذ في التراجع، فإن الأسعار نمت بمعدل سنوي قدره 6.8 في المائة في يوليو، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الهدف الذي حدده بنك إنجلترا عند 2 في المائة.
من الناحية النقدية، ارتفع إجمالي الأجور 21 في المائة عن الأشهر الثلاثة حتى فبراير 2020، ولكن عند تعديلها، وفقا للتضخم فإنها لم تتغير إلى حد كبير. من المحتمل أن يكون هذا النمو القوي للأجور قد ساعد على الزيادة التي طرأت على ثقة المستهلك في المملكة المتحدة بمقدار خمس نقاط في أغسطس.
قال بول ديلز، كبير الاقتصاديين في شركة كابيتال إيكونوميكس للمملكة المتحدة: "خلال فترة الركود التضخمي، تتوقع أن ترتفع المؤشرات من حيث القيمة الاسمية/النقدية -مثل الأجور والإيرادات الضريبية- أكثر من المؤشرات الحقيقية، مثل مؤشرات مديري المشتريات، أو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، أو نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي".

المالية العامة
كانت معدلات نمو الأسعار والأجور السريعة أخبارا سارة للمالية العمومية في البلاد. في الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي الحالي، وجاء الاقتراض أقل بنحو 17 في المائة من توقعات مكتب مسؤولية الميزانية، وهيئة الرقابة المالية في المملكة المتحدة.
قالت فيكتوريا سكولار، رئيسة الاستثمار في "إنترآكتيف إنفستور"، وهي خدمة استثمار عبر الإنترنت، إن الموارد المالية للحكومة "استفادت" من التضخم المرتفع.
أوضحت سكولار أن "التضخم يميل إلى توفير دفعة تعزيزية لعوائد الضرائب الحكومية لأنه يدفع أصحاب الدخل إلى شرائح ضريبية أعلى، خاصة مع نمو الأجور حاليا عند مستوى قياسي".
الاقتصاد
قال توماس بوج، الاقتصادي في شركة آر إس إم يو كيه الاستشارية، إن الجمع بين التضخم المرتفع -الذي يعزز ضريبة القيمة المضافة وضريبة الشركات- ونمو الأجور المرتفع -الذي يعزز الدخل والتأمين الوطني والإعفاءات الضريبية الثابتة- "لا يخبرنا إلا القليل عن حالة الاقتصاد الحقيقي".
في الواقع، أصبح اقتصاد المملكة المتحدة أصغر مما كان عليه قبل الجائحة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2019، بعد أن ظل راكدا إلى حد كبير منذ نهاية 2021. هذا على الرغم من انخفاض أسعار الطاقة بالجملة والدعم الحكومي المكثف للشركات والأسر، وهو ما ساعد على تجنب انكماش اقتصادي خلال فصلي الشتاء والربيع.
قال جيمس سميث، مدير الأبحاث في مؤسسة ريزولوشن فاونديشن البحثية: "ما نراه هو اقتصاد يعاني صدمة كبيرة في معدل التبادل التجاري"، مشيرا إلى الفترة التي أصبحت فيها الواردات البريطانية أكثر تكلفة بكثير من الصادرات بعد الحرب الروسية الأوكرانية وفرض مزيد من الحواجز التجارية مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وفقا لسميث، أدت هذه "الصدمة" إلى زيادة الأسعار والأجور بسرعة وإلى ارتفاع أسعار الفائدة.
"لقد بدأ كل ذلك في إحداث بعض التأثير على الاقتصاد الحقيقي".

النظرة المستقبلية
يحذر الاقتصاديون من أن ارتفاع أسعار الفائدة سيختبر المرونة الاقتصادية للمملكة المتحدة في الأشهر المقبلة، مع بدء ظهور الضغوط الأولى في معدل البطالة، الذي ارتفع إلى 4.2 في المائة في الأشهر الثلاثة بدءا من يونيو، وهو أعلى مستوى فيما يقارب عامين.
كما انخفضت الموافقات على الرهون العقارية نحو 10 في المائة بين يونيو ويوليو. وجاءت مبيعات التجزئة الشهر الماضي مخيبة للآمال أيضا، حيث انخفضت 1.2 في المائة، مقارنة بالشهر السابق. مع ذلك، قد يكون هذا مدفوعا بالطقس الماطر بشكل غير معتاد أكثر من الضعف الأساسي في طلب المستهلكين.
وجاءت العلامة الحقيقية المثيرة للقلق من تراجع مؤشرات مديري المشتريات، التي أشارت إلى تراجع النشاط في كل من قطاعي الخدمات والتصنيع في أغسطس.
بدلا من التعارض مع الإحصاءات الاقتصادية الرسمية الأكثر إيجابية، التي يتم نشرها بفارق زمني أطول، فإن مؤشرات مديري المشتريات أقرب إلى المؤشرات في الوقت الحقيقي، كما يقول المحللون.
يقول الاقتصاديون إن أحدث مؤشرات مديري المشتريات تشير إلى أن أسعار الفائدة بدأت في التأثير على النشاط الاقتصادي. وفي اجتماع السياسة النقدية القادم هذا الشهر، من المتوقع أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة للمرة الـ 15 على التوالي منذ ديسمبر 2021. يبلغ سعر الفائدة القياسي للبنك المركزي الآن 5.25 في المائة، وهو عند أعلى مستوى له منذ 15 عاما.
قد يؤدي ذلك إلى زيادة كبح النشاط الاقتصادي، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عكس الأخبار الإيجابية في أحدث بيانات الأجور والمالية العمومية.
قال ديلز: "إذا كانت مؤشرات مديري المشتريات تعني أن الاقتصاد يتجه نحو ركود معتدل، كما نتوقع، فسيؤدي ذلك مع مرور الوقت إلى إيرادات ضريبية أقل قوة وإلى تباطؤ نمو الأجور".

الأكثر قراءة