اقتصادات تنمو واقتصادات تتباطأ
سيواصل النمو في الاقتصادات الناشئة أو الصاعدة رغم الظروف الاقتصادية العالمية الراهنة، التي ضغطت كثيرا على الأداء الإنتاجي حول العالم، وأضافت أعباء كثيرة على كاهل الدول من جهة الموجة التضخمية الحادة التي لا تزال موجودة على الساحة.
وفي المجمل، فحتى قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، بما في ذلك الآثار التي تركتها جائحة كورونا في الساحة، كان النمو الاقتصادي العالمي يستند أساسا إلى حجم النمو في الدول الناشئة. وكانت هذه الدول تعد محركا لهذا النمو، وفي مقدمتها الصين التي بلغت فيها النسبة في العقد الماضي أكثر من 7 في المائة على أساس سنوي، وكذلك الأمر في الهند بمستوى أقل بكل تأكيد، وعدد آخر من الدول التي تمكنت من وضع الأدوات اللازمة لما يمكن وصفه بـ"إنتاج النمو".
لكن الأمور ليست إيجابية تماما في الوقت الراهن في ساحة النمو، إذ تراجعت نسبه في العامين الماضيين، نتيجة للمشكلات الاقتصادية العالمية التي أنتجت مصاعب جمة على الصعيد المحلي للدول الناشئة عموما.
صحيح أن التوقعات بوصول النمو بحلول نهاية العام الجاري إلى 4 و4.1 في المائة في العام المقبل، إلا أن ذلك مطروح للمراجعة، في ظل التباطؤ الواضح في الاقتصادات المشار إليها.
ووفق البنك الدولي، فبنهاية 2024 ستنخفض مستويات إجمالي الناتج المحلي في الاقتصادات الصاعدة والنامية (أي حساب مشترك للنمو) بنحو 6 في المائة عن المستويات التي كانت عليه قبل جائحة كورونا. وحتى في الصين التي تعد محركا للنمو العالمي، لن تستطيع -بحسب التوقعات- أن تحقق النمو الرسمي المستهدف عند 5 في المائة. وهذا المستوى مرتفع، ولا يمكن لأي اقتصاد أن يتمتع بها في المرحلة المقبلة.
وبلا شك، سيكون نمو الاقتصاد الصيني في نهاية العام الجاري عند 4 في المائة، وفق كل التوقعات. ولا بد من الإشارة، إلى أنه رغم أن معدل التضخم العالمي سيستقر عند مستوى متوسط، إلا أنه سيظل أعلى من مستويات ما قبل كورونا.
ومرة أخرى، تبقى الأسواق الصاعدة المحرك الرئيس للنمو كله، في حين أن الاقتصادات المتقدمة تكافح من أجل تحقيق معدلات -ولو متواضعة- في الفترة المقبلة. فهذه الاقتصادات تركز حاليا على البقاء خارج نطاق الركود أو الانكماش، وليس مهما مصير النمو في الأشهر المقبلة. والأسواق الصاعدة باتت ساحة مولدة للنمو عموما على مدى عقدين من الزمن، ما يجعل التعافي سريعا في قطاعاتها المختلفة. كما أن الضغوط التي تمثلها الفائدة المرتفعة التي تزداد لمواجهة ارتفاع أسعار المستهلك، لم تؤثر سلبا في النمو كما أثرت في ساحات الاقتصادات المتقدمة.
وبالمحصلة، ستبقى الاقتصادات الصاعدة ضمن حراك مقبول في ظل هذه المرحلة الصعبة، لكنها لن تعود سريعا إلى مستويات ما قبل الأزمة الراهنة، وهي بلا شك الأسرع نموا على الساحة الدولية عموما.
المصاعب المؤثرة عالميا لا تزال باقية من التضخم المرتفع، إلى الفائدة العالية وانخفاض الاستثمارات، فضلا عن الاضطرابات الناجمة عن الحرب الحالية في أوكرانيا. ومع ذلك، أظهرت الاقتصادات الصاعدة مرة أخرى، القدرة على تحقيق النمو حتى في ظل الأزمات العالمية الخطرة، ما يعزز مرونة وضعيتها الإنتاجية المولدة للنمو بشكل عام.
واللافت، أن هذه الاقتصادات تمكنت بالفعل من تحقيق معدلات نمو جيدة في الظروف الصعبة، مقابل التباطؤ الواضح في الاقتصادات الأخرى المقابلة، صحيح أن هذه الأخيرة حققت خطوات ما على صعيد التوقف عن الانزلاق نحو الانكماش، لكن الصحيح أنها لم تستطع توفير ضمانات للنمو في ميادينها. فالنمو المتوقع في منطقة اليورو (مثلا) لا يزيد هذا العام على 0.9 في المائة، في حين أن النمو الأمريكي لن يحقق أكثر من 1 في المائة، وفق أكثر التوقعات تفاؤلا بحلول نهاية العام الجاري.