آمال كبيرة وحقائق صعبة .. بنوك أوروبا تكافح

آمال كبيرة وحقائق صعبة .. بنوك أوروبا تكافح

يروي المقر الرئيس الجديد البراق للمجموعة المالية "إن 26" في وسط مدينة برلين قصة نجاحها إضافة إلى التحديات المتزايدة التي تواجهها.
يعد مبنى المكاتب الذي تم بناؤه حديثا بواجهته الزجاجية الواسعة المكتب الرئيس هو السابع للشركة خلال الأعوام العشرة لوجودها. نما بنك إن 26 بسرعة كبيرة لدرجة أن كل ما سبقه أصبح صغيرا جدا بسرعة. لكن كثيرا من المكاتب في المقر الجديد تظل شاغرة. قام بنك إن 26 بخفض 4 في المائة من قوته العاملة هذا العام وتوقف عن التوظيف.
أسس بنك إن 26 في 2013 في مكتب صغير مشترك في برلين على يد ماكس تاينثال وفالنتين ستالف، وكان أول بنك يقدم الخدمة الرقمية بين البنوك الرقمية الأوروبية الجديدة. وعلى مدى عقد من الزمن، دفع هذا القطاع مستثمري رأس المال المغامر إلى التوسع، ما اجتذب تمويلا بمليارات اليورو. كان الوعد الكبير للمجموعات المالية الجديدة، مثل بنوك إن 26، وريفولوت، ومونزو، هو أنها ستحدث تغييرا جذريا في إمبراطوريات الخدمات المصرفية الرصينة للأفراد التي استغرق بناؤها عقودا من الزمن.
لكن طفرة التمويل توقفت مع ارتفاع أسعار الفائدة وبدء تزايد الشكوك حول نماذج الأعمال التي تتبناها هذه البنوك "المنافسة". ورغم أنها اجتذبت ملايين العملاء، إلا أنها تكافح عموما لتحقيق الربح وبعضها غارق بسبب مخاوف بشأن ثقافة الشركة.
كما أنها اجتذبت انتباه الجهات التنظيمية غير الراضية عن ضعف عمليات اعرف عميلك وضوابط مكافحة غسل الأموال ونقاط الضعف التنظيمية واسعة الانتشار.
قال ماكس فلوتوتو، أحد كبار الشركاء في شركة ماكينزي الذي يقدم المشورة لهذا القطاع: "لا شك أن البنوك الجديدة تواجه حاليا تحديات هائلة".
في المملكة المتحدة، كان طلب بنك ريفولوت للحصول على ترخيص مصرفي معلقا منذ 2021. تأسس البنك في 2015 على يد تاجر المشتقات السابق في بنك ليمان براذرز، نيك ستورونسكي، وبحلول 2021 كانت قيمته 33 مليار دولار.
منذ ذلك الحين، ظهرت المخاوف بشأن ضوابطه المالية، وثقافة مكان العمل لديه وحجم الإيرادات، واعتماده على تداول العملات المشفرة ونزاهة حساباته. في مارس، حذرت شركة التدقيق بي دي أوه من أنها غير قادرة على التحقق من ثلاثة أرباع الإيرادات البالغة 636 مليون جنيه استرليني التي أبلغ عنها بنك ريفولوت لـ2021.
قالت الجهات التنظيمية أيضا إنه يجب عليه تبسيط هيكل ملكيته إذا أراد الحصول على ترخيص مصرفي. يتجادل بنك ريفولوت حول كيفية تحقيق ذلك مع سوفت بنك، أحد أكبر المساهمين فيه، التي تطالب بتعويض كبير إذا قام البنك بدمج فئات أسهمه الستة في فئة واحدة.
في الوقت نفسه، انتقد ستورونسكي "الجهة التنظيمية البيروقراطية للغاية" في المملكة المتحدة، وهدد بإدراج البنك في نيويورك بدلا من لندن.
وفي ألمانيا، يعاني بنك إن 26 بسبب سقف النمو الذي فرضته هيئة الرقابة المالية قبل عامين، استجابة للعيوب التنظيمية وضعف ضوابط مكافحة غسل الأموال.
تزامنت الرقابة التنظيمية المتزايدة مع تغير في معنويات المستثمرين. لقد تراجعت التقييمات المرتفعة مع معاناة شركات التكنولوجيا المالية هذه لتحقيق الربح. قال أليكس باركلي، الشريك الإداري في شركة لانسيرو كابيتال: "الخدمات المصرفية للأفراد لا تدر أموالا طائلة. كان على (البنوك الرقمية) أن تلجأ إلى إدارة الثروات أو الإقراض، ولا يقوم أي منها بعمل على هذا الصعيد".
حتى المخضرمون في الصناعة، مثل أنتوني طومسون - الذي أسس بنك أتوم الرقمي وبنك مترو المنافس في المملكة المتحدة، وهو مدير غير تنفيذي لمجموعة التمويل الاستهلاكي الأسترالية هوم - أصبحوا متشككين. قال: "هل سأبدأ بنكا رقميا اليوم؟ لا، لن أفعل ذلك"، مضيفا أن البنوك العاملة في البيع بالتجزئة بذلت كثيرا لتحسين التكنولوجيا والخدمات التي تقدمها عبر الإنترنت.
وفي وقت سابق من هذا العام، كانت شركة ألاينز إكس، ذراع الاستثمار الرقمي لشركة التأمين الألمانية، تتطلع إلى بيع حصتها البالغة 5 في المائة في بنك إن 26 بخصم 68 في المائة من تقييم البنك البالغ تسعة مليارات دولار في جولة تمويل في 2021.
وفي يونيو، خفضت شركة مولتين فنشرز المستثمرة في بنك ريفولوت تقييم حصتها البالغة 7.1 مليون جنيه استرليني 40 في المائة، في أعقاب خطوة مشابهة قامت بها شركة إدارة الأصول شرودرز في أبريل.
كما أن انخفاض التقييمات يزيد من صعوبة جذب الموظفين. وفي الماضي، كانت تتم استمالة الموظفين بالأسهم التي كانوا يأملون أن تتضاعف في طرح عام أولي لاحق. لكن في الوقت الذي يميل فيه مستثمرو رأس المال المغامر إلى الإصرار على المعاملة التفضيلية في عملية الإدراج، فإن أسهم الموظفين "غالبا ما تكون ذات قيمة فعلية منخفضة، إن وجدت"، كما قال مدير كبير سابق في بنك إن 26.
يعاني مصرفا ريفولوت و"إن 26" أيضا بعض الجروح التي جلباها على نفسهما. كان لدى كل منهما مجموعة من كبار المسؤولين التنفيذيين الذين غادروا، بسبب أسلوب القيادة الذي يتبعه المؤسسون. وفي 2022، اتهم كبار المسؤولين التنفيذيين الستة في بنك إن 26 ستالف وتاينثال بإيجاد "ثقافة الخوف" التي هددت بدفع المجموعة إلى "دوامة الهبوط". غادر أربعة من المديرين منذ ذلك الحين.
في بنك ريفولوت، غادر عدد من كبار موظفي الامتثال العام الماضي، وفي هذا العام رحل المدير المالي للمجموعة وكل من الرئيس التنفيذي المصرفي ورئيس موظفي شركته في المملكة المتحدة.
ضوابط الجرائم المالية الخاصة به واجهت التدقيق في مناسبات متعددة، كان آخرها بعد أن كشفت "فاينانشيال تايمز" أن محتالين سرقوا أكثر من 20 مليون دولار من فرعه الأمريكي بسبب مشكلة في نظام مدفوعاته.
كما أن اعتماده على تداول العملات المشفرة، الذي مثل ثلث إيراداته في 2021، يخضع أيضا للتدقيق مع انخفاض قيمة الأصول الرقمية. قال بنك ريفولوت في مارس، إنه رغم تراجع نشاط العملات المشفرة، فإن الإيرادات لـ2022 ارتفعت 30 في المائة على أساس سنوي إلى أكثر من 850 مليون جنيه استرليني. ورفض التعليق على هذه القصة.
ورغم التحديات، فإن صناع السياسات حول أوروبا يسعون إلى استمالة هذه البنوك الجديدة. فقد وصف مستشار المملكة المتحدة، جيريمي هانت، بنك ريفولوت ومنافسه مونزو بأنهما "أمثلة مشرقة من قطاع التكنولوجيا المالية لدينا الذي يتفوق على العالم".
وفي محاولة لزيادة الضغط على الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة بشأن تأخر الترخيص المصرفي، قالت شخصيات بارزة في بنك ريفولوت إن الوزراء الفرنسيين والإسبان حريصون على الحصول على واحدة من أكثر شركات التكنولوجيا المالية قيمة في أوروبا في باريس أو مدريد.
تتوقف الحالة المتفائلة لهذه البنوك الجديدة جزئيا على ارتفاع أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى ارتفاع دخل الفائدة الذي يمكن أن تكسبه على ودائع العملاء.
قال تاينثال إن البنوك الجديدة يمكن أن تستفيد بشكل خاص بسبب قاعدة تكاليفها المنخفضة، والبنية التحتية التكنولوجية التي يسهل توسيع نطاقها. قال: "إذا قمت ببناء أنظمتك بشكل صحيح، فينبغي ألا يهم إذا كان لديك 50 عميلا جديدا غدا أو 50 ألفا".
أعداد العملاء مشجعة للغاية أيضا. ففي العام الماضي، شكلت البنوك المنافسة نحو 17 في المائة من جميع الحسابات الجديدة المفتوحة في ألمانيا، مقارنة بنحو 2 في المائة فقط في 2016، وفقا لبيانات شركة ماكينزي.
قال فلوتوتو: "هناك تحول هائل في العملاء من البنوك القائمة إلى البنوك المنافسة، وهو ما أعتقد أنه سيكون تغييرا دائما".
قال ريكاردو شيفر، الشريك في شركة تارجت جلوبال، التي شاركت في أحدث حملة لجمع الأموال بقيمة 800 مليون دولار من قبل بنك ريفولوت، إن البنوك الرقمية الجديدة أثبتت "أن السوق موجودة" وأن "كثيرا من الناس كانوا غير راضين عن تعاملاتهم المصرفية مع البنوك القائمة".
ويأمل المتفائلون أن تتحول بعض المشكلات قصيرة الأجل إلى أصول مع مرور الوقت. لقد نجح مصرفا ريفيلوت و"إن 26" في جذب الأشخاص في العشرينيات من العمر. في الوقت الحالي، لا يمثلون مجموعة عملاء مربحة جدا. لكن هذا يجب أن يتغير مع تقدم حياتهم المهنية ونمو دخلهم.
قال أندرياس براتز، الشريك في شركة ستراتيجي أند للاستشارات التابعة لوكالة بي أند سي: "كقاعدة عامة، تتوقف البنوك عن تكبد الخسائر مع العملاء الذين تزيد أعمارهم على 30 عاما. ومع العملاء الذين تقل أعمارهم عن 40 عاما، فإنهم لا يكسبون الكثير أيضا. ما فوق 50 عاما، يصبح الأمر مثيرا للاهتمام حقا".
سيتعين على البنوك المنافسة مواصلة الاستثمار بكثافة في توسيع نطاق منتجاتها للحفاظ على عملائها والاستمرار في جني الأموال منهم. ويتمثل التحدي الحاسم في إقناع مزيد من الناس باستخدامها كبنك رئيس لهم. قال براتز، مستشهدا بخدمات الوساطة، والإقراض الاستهلاكي والرهن العقاري: "هذا يتطلب وجود مجموعة واسعة من المنتجات التي تلبي الاحتياجات الأساسية لـ80 في المائة من العملاء".
لكن التحدي الأكبر قد يتمثل في التوفيق بين ثقافة الشركات الناشئة التي تركز على المؤسسين واحتياجات الصناعة شديدة التنظيم.
قال فيليكس هوفيلد، رئيس هيئة الرقابة المالية السابق: "تحتاج البنوك الجديدة إلى إيجاد التوازن الصحيح بين المؤسسين الأقوياء وذوي النفوذ الكبير وروح المبادرة لديهم من ناحية، وطبيعة الصناعة شديدة التنظيم".
كما يتطلب الأمر إعادة التفكير من قبل المستثمرين. حيث في الماضي، قال أحد الخبراء المخضرمين في الصناعة: "لن يعطيك أي مستثمر يورو واحدا إذا كان لديك أفضل امتثال، إذا لم تكن تنمو"..

الأكثر قراءة