مخلفات كوفيد تلاحق مدن أمريكا الكبيرة .. الصغيرة تسبقها في التعافي
تباينت ثروات مناطق وسط المدن في الولايات المتحدة منذ بداية جائحة فيروس كورونا، كما تظهر الأبحاث الجديدة، حيث استعادت إحدى فئات المدن حيويتها إلى حد كبير وأخرى أصبحت مهجورة وأكثر خواء.
ترتبط الاختلافات بحجم المدن، وفقا لبحث أجراه اقتصاديون في جامعتي جورج تاون وشيكاغو. باستخدام بيانات التنقل من الهواتف الذكية وأسعار المساكن وعوامل أخرى من 274 مدينة أمريكية، وجدوا أن احتمالية عودة المناطق التجارية المركزية في المدن الأصغر إلى نشاطات ما قبل الجائحة أكبر من المدن الكبرى.
الآثار جسيمة - بالنسبة إلى قيم العقارات التجارية، والإيرادات الضريبية المحلية، والحياة في الشارع، وغيرها. تبدو المناطق التجارية في المدن الأكبر "عالقة" في هذا العالم الجديد، كما قال فيرديناندو مونتي، اقتصادي في جامعة جورج تاون ومؤلف مشارك في الدراسة.
وجد الاقتصاديون أن كوفيد- 19 قد سبب صدمة للاتزان الهش الذي جعل مناطق وسط المدن الكبيرة تزدهر. تحمل الناس التنقلات غير المريحة والازدحام ليجربوا التواصل الشخصي وتبادل الأفكار الذي يوجد في المراكز الحضرية الكبرى.
تتطلب الفوائد أن يقوم الآخرون بحسابات التكاليف والفوائد نفسها: يفضل الناس العمل وسط المدينة إذا كان الآخرون يعملون وسط المدينة عندما تكون الفوائد عالية، لكن بخلاف ذلك يفضلون البقاء في المنزل عندما تكون الفوائد منخفضة.
ألغت إغلاقات الجائحة، إلى جانب التبني القسري للعمل عن بعد كثيرا من هذه الفوائد فجأة. وبينما استمر العمل من المنزل الآن، جعل ذلك من الصعب إحضار العدد الأدنى اللازم من الأشخاص معا في مدن كبيرة مثل نيويورك ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو مجددا.
بشكل عام، استقرت أكبر مدن الولايات المتحدة، التي عرفت في البحث بأنها المدن التي فيها أكثر من 1.5 مليون موظف، عند نحو 60 في المائة من حركة المشاة وسط المدينة قبل الجائحة. قاس الاقتصاديون هذه الظاهرة باستخدام بيانات تنقل الهواتف وشاركوا أجزاء منها مع "فاينانشيال تايمز".
عاد التوازن الذي سبق الجائحة إلى حد كبير في المدن الصغيرة، وفقا للدراسة. أحد تفسيرات ذلك كان أن المهن التي تركزت في مناطق وسط تلك المدن كانت أكثر احتمالية في أن تتطلب العمل حضوريا، بينما كانت الفوائد المحتملة من التواصل الشخصي أقل دائما بسبب مزيج الصناعات الموجودة فيها.
"إن هذا جزء من سبب كون هذه المدن الصغيرة صغيرة في المقام الأول - لم تكن هناك حاجة إلى ما كانوا يفعلونه للتجمع الحضري"، كما قال مونتي. "لم تكن هذه التفاعلات مهمة كأهميتها في نيويورك".
لعب كل من مزيج المهن والصناعات مجتمعة في المدن، إلى جانب التكاليف والفوائد الأخرى للعمل في المكاتب - من أوقات التنقل حتى قيمة التواصل الشخصي - جزءا في تمييز المدن الصغيرة عن الكبيرة من ناحية انتعاش وسطها بعد الجائحة، وفقا للبحث.
قال سام شيهيد، مالك محل القهوة مايكل أنجيلو كوفي هاوس في وسط مدينة ماديسون في ويسكونسون، إن الأعمال بدأت الانتعاش في 2022 وهي الآن تتجاوز مبيعات ما قبل الجائحة. "نحن في غاية الصلابة - لقد عدنا"، كما قال. تعد ماديسون، عاصمة ولاية ويسكونسون وموطن الحرم الجامعي الرئيس لنظام الجامعات العامة فيها، مدينة أمريكية صغيرة. كانت حركة المرور في منطقة وسط المدينة "تزداد بعض الشيء" أيضا، كما قال شيهيد.
في نيويورك، لا تزال الإحصاءات منخفضة في جميع المجالات. بلغ عدد ركاب قطار الأنفاق حاليا 65 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة، وسط ما سمته المدينة "مخلفات جائحة كوفيد- 19 المتوطنة". لا يزال معدل شغل المكاتب في منطقة قطار الأنفاق خلال أيام العمل أقل من نصف ما كان عليه سابقا. انخفضت السياحة في يونيو من هذا العام 11 في المائة عن يونيو في 2019، وفقا لتتبع بيانات انتعاش الجائحة من وكالة الأنباء المحلية ذا سيتي.
قال روب سادو، المؤسس المشارك لشركة سكوب لبرامج العمل الهجين، "أعتقد أنه سلاح ذو حدين بصراحة. إن المدن التي كانت الأشد في تبني مرونة مكان العمل هي بعض تلك المدن التي تعاني مناطق وسطها أكثر"، بما في ذلك سان فرانسيسكو.
كما يتمثل هذان المساران المتباينان في أسعار المساكن. في المدن الكبيرة، انخفضت العلاوة التي يبدو أن الناس على استعداد لدفعها للعيش قريبا من وسط المدينة بثبات منذ الجائحة، وفقا للبحث. أما في المدن الأصغر، فقد انتعشت العلاوة. انخفض سعر المنازل داخل مناطق الأعمال المركزية مقارنة بالمنازل في الضواحي ولم ينتعش في المدن الكبيرة أبدا. استخدم الاقتصاديون بيانات على مستوى الرمز البريدي من "زيلو".
تناول البحث بإيجاز الإجراءات التي قد تؤثر في العودة إلى مناطق الأعمال المركزية، مثل الضريبة الحكومية للعمل عن بعد. "من الصعب الحديث عن المستقبل"، كما قال مونتي. لكن، "لقد مرت ثلاثة أعوام الآن، وذلك الخط لا يبدو أنه يتحرك".
ما قد فقد في منطقة الأعمال المركزية قد يوجد الآن في مكان آخر. قال سادو من سكوب، "أعتقد أن الأمر ينعش المناطق التي لا تعد وسط المدينة حيث يعيش الناس ويعملون، وذلك يساعد التجزئة المحلية ويبقي الناس في هذه المناطق أكثر".
هل هذا الوضع الطبيعي الجديد جيد للرفاهية العامة، أم هل فقد شيء غال؟ "تعوض فوائد عدم التنقل عن معظم الخسائر"، كما كتب الاقتصاديون.