أجندة المناخ .. مجرد كذبة؟
أثار تصريح فيفيك راماسوامي المرشح الصاعد للحزب الجمهوري الأمريكي، بأن أجندة المناخ مجرد كذبة، امتعاض وسائل الإعلام اليسارية واستهجانها لما تطرق إليه في سياق المناظرة التي عقدت الأسبوع الماضي بين عدد من المرشحين الجمهوريين لرئاسة الولايات المتحدة. ورغم أن كثيرا من وسائل الإعلام والمحللين نقلوا عنه القول إن ظاهرة المناخ كذبة، إلا أن ما قاله نصا هو أن أجندة المناخ مجرد كذبة، وهو بذلك يشارك كثيرين حول العالم الرأي بأن برامج الحفاظ على البيئة ومشاريع المناخ وجهود الوصول إلى الحياد الصفري مبالغ فيها، وأن التقلبات المناخية ليست أزمة طارئة تستدعي التدخل السريع وذاك الكم من الإجراءات والأموال والجهود التي بذلت في سبيل تطبيقها.
من المعروف أن المملكة العربية السعودية من أول الدول المؤيدة لمفهوم خفض الانبعاثات الضارة للمناخ والعمل على حماية البيئة وتحقيق الاستدامة ومواجهة شتى آثار التغير المناخي، بما في ذلك الوصول إلى مرحلة الحياد الصفري ليس في 2050 بل في 2060. منهجية الرياض في هذا المجال تسلك مسارات تتفق وتختلف مع المسارات المحددة من قبل المنظمة الاستشارية للطاقة في العالم الغربي، وكالة الطاقة الدولية، التي تطالب على وجه الخصوص بالتوقف عن الاستثمار في البترول والغاز بشكل كامل. فالمملكة لديها مبادرات متكاملة مثل "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" و"استراتيجية الاقتصاد الدائري للكربون" و"استراتيجية إنتاج الهيدروجين"، وغيرها من استراتيجيات وحلول تعالج قضايا البيئة والمناخ بطرق ابتكارية ذكية.
يتفق ما ذهب إليه المرشح الجمهوري بانتقاده اللاذع لأجندة المناخ مع ما نشرته مؤسسة أبحاث سياسات الطاقة الأسبوع الماضي في سياق دراستها لتقرير وكالة الطاقة الدولية، حيث كشفت الدراسة عن جملة من التحديات والافتراضات والمغالطات في تقرير الوكالة الدولية، ما جعل محرر الدراسة يشبه استراتيجية الوكالة بمن يزعم أن تحطيم زجاج النوافذ يولد فرص عمل كبيرة لقطاع صناعة النوافذ، وذلك ردا على زعم الوكالة أن التخلص من الوقود الأحفوري والتوجه إلى مصادر الطاقة البديلة من شأنه أن يشكل فرصة عظيمة لاقتصادات العالم وتوفير الملايين من فرص العمل الجديدة وتعزيز النمو الاقتصادي.
السياسة المتبعة في سبيل معالجة قضايا البيئة والمناخ ترتكز على ثوابت ثلاثة، كما أدلى بذلك الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، وهي أولا أهمية ضمان أمن الطاقة على المستوى العالمي، كما هي سياسة المملكة منذ القدم، وثانيا الاستمرار في تطوير الاقتصاد وعدم اتخاذ أي إجراءات قد تتسبب في إعاقة ذلك النمو، وثالثا العمل على مواجهة التغير المناخي. كما أن المملكة تشدد على ضرورة أن تكون البيانات التي يستند إليها في تنفيذ أي من برامج المناخ ومشاريعه مبنية على أسس علمية سليمة ومحايدة، وغير منساقة خلف أي مزاعم أو افتراضات أيديولوجية، وتكون بهدف تحقيق المصالح الإنسانية مع الأخذ في الحسبان الظروف الوطنية لكل دولة من المنتجين والمستهلكين.
تزايدت في الأعوام القليلة الماضية حدة الانتقادات الموجهة إلى البرامج التي استندت إلى توصيات وكالة الطاقة الدولية، وذلك بعد تبين التبعات والتكاليف البيئية والاقتصادية والسياسية والتنموية التي ستترتب على التحول المتعجل وغير المدروس بشكل كاف، إضافة إلى كون توجهات الوكالة متطرفة ومعادية للوقود الأحفوري، وهو مصدر الطاقة الذي تعتمد عليه دول كثيرة إلى جانب عدد من الولايات الأمريكية والمقاطعات الأوروبية التي تستثمر في هذا المجال، وعن طريقه تزود العالم بما يحتاج إليه من طاقة.
دراسة مؤسسة بحوث سياسات الطاقة تتفق مع عدد من البحوث العلمية الرصينة غير المسيسة في أن وكالة الطاقة الدولية اعتمدت على عوامل ظرفية، غير جوهرية، وقابلة للتغير أو ربما عدم الحدوث، في بناء توقعاتها لضرورة سرعة التحول في مجال الطاقة. كما يؤكد تقرير المؤسسة أن من شأن الظروف التي بنت الوكالة عليها توقعاتها أن تبدد موارد الدول، وتقلص الاستثمارات في مجال الطاقة، بل ربما أن تقضي عليها، وقد تحدث تأثيرات بيئية مدمرة، بسبب التنقيب والإنتاج المتسارعين للمعادن النادرة لإنتاج ألواح شمسية وتوربينات رياح وبطاريات وغيرها، إلى جانب أن في ذلك التسرع زيادة الاعتماد على إمدادات الطاقة الرخيصة الملوثة كالفحم، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان مصادر الطاقة الأصلية والعجز عن توفير بدائل يمكن الاعتماد عليها.
تتطرق دراسة مؤسسة بحوث سياسات الطاقة إلى أمور تفصيلية ودقيقة في تفنيدها لما اعتمد عليه تقرير وكالة الطاقة الدولية، فشمل ذلك مخالفات لبعض القواعد الاقتصادية الراسخة والفشل في أخذ عوامل فنية جوهرية في الحسبان عند بناء الافتراضات والتوقعات، إلى جانب أنه أغفل حاجة العالم إلى استخراج كميات هائلة من المعادن المهمة لاستخدامها في مجالات الطاقة البديلة. والأهم من ذلك أن هذه الافتراضات والتوقعات التي تتبناها الوكالة من شأنها أن تجعل مجال الطاقة طاردا للاستثمارات في أنشطته الحيوية، حيث من المعروف أن هذه الاستثمارات تمثل عنصرا جوهريا في فاعلية واستدامة وموثوقية إمدادات الطاقة للعالم ككل، وللدول الأكثر احتياجا على وجه الخصوص.
المملكة العربية السعودية جادة في التوجه نحو تحقيق التحول في مجال الطاقة، لكن بأسلوب وفكر عقلاني وعملي ومتزن، يجعل من الممكن تحقيق الأهداف المرجوة مع الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، ويعزز من قدرة المملكة على الوفاء بالتزاماتها، والإسهام في جهود العالم تجاه مواجهة التغير المناخي وحماية البيئة، كما ستواصل المملكة تشجيع الابتكار والعمل للوصول إلى الحياد الصفري عالميا، لكن باعتماد تقنيات فاعلة وذكية.