مرضى تحت التهديد .. ضريبة إهمال الخدمات الصحية
أدت متطلبات كوفيد - 19، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتقشف المالي إلى صرف انتباه كبار مسؤولي الصحة عن هدف تحسين سلامة المرضى، كما أشار خبير صحي مشهور، في الوقت الذي يصعق فيه البريطانيون من إدانة لوسي ليتبي بقتل الأطفال الذين كانوا تحت رعايتها.
كان الدكتور دون بيرويك يتحدث بعد الحكم على ليتبي، وهي ممرضة سابقة في قسم حديثي الولادة، بالسجن مدى الحياة لقتلها سبعة أطفال ومحاولة إنهاء حياة ستة آخرين. وقال الأطباء الذين عملوا مع ليتبي "إنهم حاولوا دق ناقوس الخطر لكن المديرين تجاهلوهم".
كان بيرويك من بين عدد من الشخصيات البارزة في مجال الرعاية الصحية الذين أجرت "فاينانشيال تايمز" مقابلات معهم والذين أشاروا إلى أن ثقافة هيئة الخدمات الصحية الوطنية لا تزال بحاجة إلى التغيير لضمان شعور الموظفين بالأمان عند الإبلاغ عن المخاوف بشأن سوء الرعاية.
وفي أعقاب إدانة ليتبي هذا الأسبوع، أعلنت الحكومة عن إجراء تحقيق مستقل في الظروف التي سمحت لجرائمها في مستشفى كونتيسة تشيستر بالاستمرار دون أن يتم اكتشافها لفترة طويلة.
قبل عقد من الزمن، تم تكليف بيرويك للنظر في الدروس التي ينبغي تعلمها من مأساة مختلفة، وفاة 1,200 مريض دون داع في مؤسسة ميد-ستافوردشاير التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية بين عامي 2005 و2009.
خلص التحقيق إلى أن الضحايا خذلوا "من قبل نظام تجاهل إشارات التحذير ووضع المصلحة الذاتية للشركات وضبط التكاليف قبل المرضى وسلامتهم".
وفي تقريره، خلص بيرويك إلى أن "التغيير الوحيد الأكثر أهمية هو (...) أن تصبح الخدمات الصحية الوطنية، أكثر من أي وقت مضى، نظاما مكرسا للتعلم المستمر وتحسين رعاية المرضى، من أعلى إلى أسفل ومن البداية إلى النهاية".
وأشار إلى أنه رغم التزام كثير من قادة الرعاية الصحية، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم كاف خلال العقد الذي تلا ذلك.
قال "إن هذا يرجع جزئيا إلى ضغوط كوفيد، وتخفيضات التقشف التي تعني أن صناديق الصحة أصبحت قلقة بشأن وضعها المالي وعجزها". وكان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمنزلة "صدمة أخرى" و"تضاؤل الاهتمام بسلامة المرضى باعتبارها الشغل الشاغل، (أو) الواجب الأول".
وفي إشارة إلى تحديات تغيير ثقافة الخدمة الصحية الوطنية، أخبر بيرويك "فاينانشيال تايمز" بأن القيادة في مستشفى ميد ستافس "استجابت بالخوف والتبرير أكثر مما فعلت بصراحة وتحقيق".
كما أضاف أنه "بشكل مشابه، في حالة ليتبي، فإن الموظفين الذين كانوا متشككين بشأن ما كان يحدث، لم يتم الرد عليهم بنوع من الانفتاح والتقبل والثقة الضرورية للتعلم".
وقال "إن هيئة الخدمات الصحية الوطنية لم تكن وحدها المقصرة. يجد كل نظام كبير صعوبة في تحقيق هذا التغيير في الثقافة".
قال كريس هام، الرئيس المشارك لجمعية هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي تقدم المشورة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، والمدير السابق للاستراتيجية في وزارة الصحة، "إنه رغم أن حالة ليتبي كانت مثالا متطرفا، إلا أنه كانت هناك أمثلة حديثة أخرى من القلق التي لم يتم لفت الانتباه إليها".
سلط الضوء على تحقيق في مؤسسة مستشفيات جامعة برمنجهام التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، الذي وجد أن الموظفين لم يشعروا بالدعم للتعبير عن مخاوفهم بسبب ثقافة وصفها مايك بويك، نائب المدير الطبي السابق لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا، "بالتنمر". توفي طبيب مبتدئ في المستشفى منتحرا.
وأعرب هام عن أسفه لعدم تنفيذ توصيات دون بيرويك، مشيرا إلى أنه لو تم تنفيذها، "فمن غير المرجح أن نكون في الوضع الذي نحن فيه اليوم".
قالت أليسون ليري، أستاذة نمذجة الرعاية الصحية في جامعة لندن ساوث بنك، "إن السبب الرئيس وراء إثبات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في كثير من الأحيان أنها غير قادرة أو غير راغبة في تعلم دروس الكوارث الماضية يكمن في ثقافة القيادة والسيطرة من الحكومة المركزية التي تعطي الأولوية للنشاط على الجودة".
قالت "إن ذلك تجلى في وعود الوزراء للسكان -(سنخفض قوائم الانتظار، ونمنح الناس علاجا أسرع للسرطان)- بينما ليست لدينا القدرة على القيام بذلك فعليا في النظام".
استشهدت ليري بالمقولة القائلة "إنه بين الجيد، والسريع والرخيص، يمكنك اختيار اثنين فقط".
وأضافت أن "50 عاما من الاستفسارات تعهدت بأنه سيتم تعلم الدروس، وبالطبع لن يتم ذلك أبدا لأنه لم يتم إيجاد البيئة التي يمكن تطبيق التعلم من تلك المواقف فيها".
وقالت "إنه مع أن معظم العلاج في هيئة الخدمات الصحية الوطنية كان جيدا، إلا أن الرعاية الصحية كانت بيئة ذات احتمالية عالية الضرر". لكن في إنجلترا، لم تكن هناك جهة تنظيمية رئيسة واحدة للسلامة والرعاية الصحية. ومقارنة ذلك بقطاعات الطيران، والسكك الحديدية والطاقة النووية، وقالت "إنها الصناعة الوحيدة ذات المخاطر العالية والضرر الكبير التي لا تملك بنية تحتية للسلامة".
روب بيرنز، أمين المظالم في الخدمة الصحية الذي يتمثل دوره في التحقيق في الشكاوى المتعلقة بسوء الرعاية المقدمة من المرضى وأسرهم، ردد مخاوف ليري بشأن تعقيد الهياكل اللازمة للتدقيق في أمور السلامة في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
ففي أعقاب قضية ليتبي، خاطب وزارة الصحة حاثا على "إجراء مراجعة مستقلة لما قد تبدو عليه مجموعة فعالة من هيئات مراقبة سلامة المرضى".
وقال كموظف حكومي منذ 40 عاما، "إنه لم يسبق له أن صادف قطاعا أكثر تنظيما من قطاع الصحة، لكن المشكلة هي أنه غير منسق، ومبهم، والناس لا يفهمون كيفية استخدامه".
إن هيئات المراقبة الرسمية مثل مفتشية الصحة والسلامة، ومفوض سلامة المرضى، وأمناء مظالم المنفصلين للرعاية الصحية والاجتماعية، ولجنة جودة الرعاية "لم تكن فعالة بالقدر الذي يجب أن تكون عليه لأنها غير متكاملة أو مترابطة".
وأضاف أنه "على عكس معظم نظرائه من أمناء المظالم حول العالم، لم تكن لديه سلطة للتحقيق في الحوادث ما لم يتم تقديم شكوى محددة".
في رسالة إلى كبار مديري الصحة بعد الحكم على ليتبي، قالت أماندا بريتشارد، الرئيس التنفيذي لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، وزملاؤها الكبار الآخرون "إن هيئة الخدمات الصحية الوطنية ملتزمة ببذل كل ما هو ممكن لمنع حدوث أي شيء مثل هذا مرة أخرى، ونتخذ بالفعل خطوات حاسمة نحو تعزيز مراقبة سلامة المرضى".
وأضافوا: "نريد أن يشعر كل من يعمل في الخدمة الصحية بالأمان للتحدث عن المشكلات، وبالثقة في أن ذلك سيتبع باستجابة سريعة".
قال بيرويك "إنه بصرف النظر عن الضغوط التي تواجه الخدمة الصحية، فإنه يأمل أن تجد قيادة هيئة الخدمات الصحية الوطنية طريقة لإعادة تحسين الجودة وسلامة المرضى إلى مركز جدول أعمالها الاستراتيجي. يجب أن تفعل ذلك حقا".
قالت وزارة الصحة: "إن توفير رعاية آمنة ورحيمة هو جوهر ما نقوم به، ونحن ملتزمون بمواصلة الاستماع إلى تجارب المرضى وعائلاتهم واستخدام ما نسمعه لتنفيذ التحسينات لهم.
نعمل على تحسين سلامة الرعاية عن طريق زيادة الشفافية ومطالبة الصناديق بإبلاغ المرضى إذا تعرضت سلامتهم للخطر، وذلك عن طريق الحماية القانونية المعمول بها للمبلغين عن المخالفات، وعن طريق تنفيذ أول استراتيجية لسلامة المرضى تابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية لإيجاد ثقافة تعليمية آمنة عبر خدمة الصحة الوطنية".