التكنولوجيا والثقافة.. قوة العالم المفعمة بالأمل
من الصعب وصف سهير خان، بل ومن الصعب تصنيفها. خان تصف نفسها بأنها رائدة أعمال تربط بين الثقافة والتكنولوجيا. وهي مؤسسة منصة أوبن إندد، التي تم إطلاقها في 2021 باعتبارها "حاضنة إبداعية ومختبر أبحاث للتكنولوجيا الناشئة والذكاء الاصطناعي". وهي عضو مجلس إدارة أو مستشارة لمجموعة مبهرة من المؤسسات الثقافية والشركات في المملكة المتحدة، بما في ذلك استوديو مصمم الرقصات واين ماكجريجور، ومتحف التصميم، والمكتبة البريطانية، ومسرح سادلرز ويلز، ومعرض بينالي لندن للتصميم، وجائزة متحف العام في المملكة المتحدة. وهي حاليا محاضرة زائرة في كلية سنترال سانت مارتينز للفنون.
لكن قبل كل ذلك، أدركت بسرعة عندما التقينا في أحد مطاعم لندن أنها مؤمنة. إن إيمانها الشديد بقوة الخير التي يمكن إنشاؤها في صلب العلاقة بين التكنولوجيا والثقافة يؤثر في جميع تفسيراتها المتلهفة والسريعة لمفاهيم مجردة في بعض الأحيان، إضافة إلى مهمتها الجوهرية المتمثلة في توسيع "فكرة التكنولوجيا كقوة مفعمة بالأمل والتفاؤل في العالم".
وقد وصفت خان نفسها بأنها "هجين هندي-باكستاني"، إنهم موجودون بالفعل، "والدتها هندية، وأبوها من باكستان". وكانت معظم نشأتها في باكستان، حيث ذهبت إلى المدرسة، محاطة بأسرة مثقفة، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة للدراسة الجامعية، وبعد تخرجها من جامعة كورنيل، عملت في وول ستريت قبل أن تسعى للحصول على درجة الماجستير في التنمية الدولية من جامعة هارفارد.
بعد ذلك، تم تعيينها من قبل جوجل، حيث عملت في مجالات مختلفة من الابتكار واستراتيجية الأعمال، لكن بشكل أساسي، خلال معظم العقد الذي قضته في الشركة، عملت في جوجل للفنون والثقافة، في مشاريع مرتبطة بالثقافة والاستدامة. تتحدث خان بحماس عن الفترة التي قضتها في جوجل، "الأشخاص الذين عملت معهم كانوا قادرين على إحداث تغيير". وتقول "إن كثيرا من الأعمال التي قامت بها كانت تجريبية ولم تطرح في السوق، لكنها منحتها فهما لمدى وإمكانات التفكير التكنولوجي المبتكر، الذي شكل بقية حياتها المهنية".
خلال هذه الفترة، انتقلت خان إلى سنغافورة، ثم إلى لندن في 2016، حيث قامت خان بتعزيز برنامج جوجل للفنون والثقافة للتواصل بين الفنانين والمتاحف وتكنولوجيا الآلات. "كنا نعمل على الواقع المعزز والواقع الهجين طوال تلك الأعوام الماضية، وكان الأمر مثيرا للغاية ومبتكرا للغاية ومثمرا للغاية".
ومن بين هذه المشاريع إطلاق منصة سحابية في قمة كوب 26 للتغير المناخي في 2021 لمساعدة صناعة الأزياء على قياس تأثيرها البيئي في مرحلة المواد الخام. وقد جعلها ذلك تتبنى وجهة نظر راسخة مفادها أن "جميع شركات التكنولوجيا يجب أن تدعم الثقافة بنشاط، وأن تحتضن التغيير الثقافي والابتكار السريعين".
وبعد دعوتها لإدارة برنامج تعليمي معماري خلال فترة جائحة كوفيد في كلية سنترال سانت مارتينز، الذي يدور حول إنهاء الاستعمار وإزالة الكربون، أصبحت مهتمة أكثر فأكثر بالوعي المكاني والتكنولوجيات المرتبطة به والتعليم. "لقد شعرت حقا بوجوب أن تعمل التكنولوجيا من أجل المجتمع، ولا ينبغي أن يكون العكس".
لقد كانت نقطة تحول. "كانت حياتي المهنية بأكملها تقريبا في هيكل واحد وشركة واحدة كبيرة: لقد منحني ذلك وصولا متميزا إلى مستويات عالية، وهو أمر رائع"، لكنها شعرت بالحاجة إلى شيء مختلف، بعد قضاء بعض الوقت في باكستان أثناء الجائحة. حيث أطلقت منصة أوبن إندد ديزاين، وهي منصة تلتقي فيها التكنولوجيا الإبداعية والابتكار، مع التركيز الشديد على الممارسة الأخلاقية والوعي البيئي. وكان احترام قوة التكنولوجيا التي أثرت فيها في جوجل، جعلها تشعر بالحاجة إلى "إدخال التعلم الآلي في التجربة الثقافية والنظر إلى المستقبل من خلال عدسة التكنولوجيا".
إن منصة أوبن إندد هي في الأساس مكان تجمع -على شكل رقمي- للممارسين الذين يعملون على حدود تخصصاتهم، الإبداعية أو التكنولوجية، وعادة في كلتيهما. وتعتقد أن الفنانين ومحترفي التكنولوجيا لديهم كثير من القواسم المشتركة لأن كلا منهما "يتخيل المستقبل، ويبني عوالم جديدة، لأنفسهم وللآخرين. أردت إنشاء مساحة يمكننا من خلالها استكشاف اللغة المشتركة". وكما تصفها: "إن هدفنا هو تسليط الضوء على المبتكرين في الثقافة والتكنولوجيا من جميع أنحاء العالم والربط بينهم". وتقول ضاحكة: "لقد كان الأمر أنانيا إلى حد ما، لأن هذا النوع من المجتمع الإبداعي، الذي يضم زملاء من مختلف التخصصات، كان له معنى كبير بالنسبة إلي".
حرصا منها على زيادة "التنوع الذي تحتاج إليه التكنولوجيا بشدة"، والتفكير في لامركزية التعلم والتطوير التكنولوجي، تستشهد خان بالمنصات الأصغر حجما والمبتكرين التكنولوجيين في الشرق الأوسط وتركيا، وكثيرا ما تذكر إفريقيا. وتشدد على أن أهمية هذا النطاق تكمن في أنه يجب أن يكون هناك "تحيز أقل في البيانات، وتحيز أقل في خوارزميات الذكاء الاصطناعي". وبعبارة أخرى، إذا كانت الزمرة نفسها من الغربيين هي التي تقوم بالتصميم والتدريب، فإن المشكلات القائمة وعدم المساواة العالمية سيستمران ببساطة.
إن الاتصالات الأخرى التي يتم إجراؤها، عبر المجتمعات المستهدفة في منصة أوبن إندد، هي بالطبع مع جميع عمالقة التكنولوجيا المهمين، جوجل، بطبيعة الحال، لكن أيضا تيك توك وكثير غيرهما. ينقسم المجتمع الأساسي بنحو طليق عبر الفن والتصميم والتكنولوجيا والحراك والاستدامة والعلوم. وهو يضم قائمة رائعة من المتفوقين في عديد من الأشياء، من أزو نواجبوجو، الذي تشمل أنشطته الثقافية الواسعة النطاق تأسيس مهرجان لاجوس للصور، إلى المهندسة المعمارية ليلى مروي، التي أنشأت المنظمة غير الحكومية المعنية بالهندسة المعمارية التعليمية "ليتس بيلد ماي سكول". كما يركز بلايز لايتفوت جونز يلن اختصاصي تخطيط المدن على العدالة البيئية والتصميم المتمحور حول المجتمع في نيويورك. وينضم الفنانون والمصممون والعلماء إلى استكشاف مجالات أوسع وأكثر غرابة.
في كل مكان، هناك تركيز على "الذكاء الاصطناعي المسؤول" والتطبيقات الأخلاقية للتكنولوجيات الناشئة. وتشير خان إلى أن "التكنولوجيا ليس لديها قانون أخلاقي خاص بها، مثل معظم المهن الأخرى، كالقانون والصحافة والهندسة المعمارية. أجد هذا الشيء رائعا". للخير أو للشر: مثل كثير من الأشياء الأخرى في هذا المجال سريع الحركة، يجب أن تكون أخلاقيات التكنولوجيا ومسؤوليتها ارتجالية مع تقدمها، من قبل الشركات والأفراد، كما تعتقد، خاصة في ضوء التقدم في الذكاء الاصطناعي الذي يضع الأنظمة خارج نطاق السيطرة حتى لمؤسسيها.
تشعر خان أن أهم شيء "هو أن نستمر في النظر في أهمية القيم التي نصمم حولها للمستقبل، من يضع القواعد، من يبني، من يشارك، من المستفيد، كيف يجعلنا ذلك نشعر؟
وأتساءل، كيف يمكن تحقيق بعض هذه الأهداف المثيرة للإعجاب؟ يقدم البرنامج الذي تقدمه منصة أوبن إندد مدونات صوتية "البودكاست" وفعاليات نقاشية: ستعقد الندوة المقبلة، مختبر التكنولوجيا والتصميم حول مستقبل الذكاء، في لندن الشهر المقبل كجزء من مهرجان لندن للتصميم، وتطرح السؤال التالي: "في عصر الاضطراب والابتكار، أين نذهب بعد ذلك؟".
ولكن هل يكفي طرح أسئلة حاسمة لتحفيز النقاش حول القيم الجديدة وتمحيصها؟ حسنا، لا يزال هناك إيمان بالآلات والاختراع والبرمجة. كتبت لي في رسالة بالبريد الإلكتروني بعد اجتماعنا: "المحادثات مهمة، لكن من المهم أيضا أن نكون مبدعين وأن نبني من أجل نتائج جديدة. حيث يمكنك التصميم من خلال دمج القيم أثناء عملية التطوير بكاملها".