رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التخطيط الحضري بحوكمة رقمية

من أهم أهداف التخطيط الحضري الوصول إلى بنية تحتية تجعل الحياة في المدن الحضرية أكثر أمنا وسرعة وراحة، لكن كلما تحسنت البنى التحتية والحياة في المدن تزايدت أعداد السكان بشكل لافت، حتى إن تقديرات الأمم المتحدة تتوقع وصول سكان المدن إلى نحو خمسة مليارات نسمة، أي 68 في المائة من إجمالي سكان الكوكب في 2050، وهي قفزة هائلة وتسارع مخيف، حيث إن التقديرات وصلت إلى 3.3 مليار شخص، أي نحو 54 في المائة من سكان الكرة الأرضية في 2014، لذلك تصبح أسئلة مثل: المساحة، وكفاية وسلامة المرافق الأساسية اللازمة لمستوى معيشي لائق، محل قلق مزعج، وأن هذه التحديات تفرض على المخططين سواء سياسيين أو مهندسين الوصول إلى حلول عاجلة، فلا بديل للحياة في المدن.
لكن التصاميم التي تعالج هذا الوضع تعتمد اليوم بشكل كبير على فكرة الذكاء الاصطناعي وتقنيات المستقبل، لقد استطاعت مدينة ذا لاين أن تلفت أنظار العالم بسرعة فائقة، وأن تكون محل النقاش والجدل على صفحات كبرى الصحف العالمية والقنوات الفضائية، والسبب هو الفكر الثوري المتطور في معالجة المشكلات المزمنة للتخطيط الحضري، فالقدرة على الوصول إلى الخدمات لا تتجاوز خمس دقائق، والمدينة خضراء تسهم في تخفيض الانبعاثات الكربونية، وهي أيضا محل صالح للحياة لانعدام القلق من الضوضاء المنبعثة من سيارات تسير في طرق ومسارات مصممة بشكل ابتكاري، فالنجاح المستقبلي لمدنية نيوم سيكون ملهما للعالم، خاصة أن هذه المدينة ضمن مشروع نيوم الذي سيركز على استخدامات الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي في إدارة المدن الحضرية، ومع ذلك فإنه يمكن القول إن النجاح الذي تحققه نيوم اليوم ومدينتها الحالمة ذا لاين يمثل قصة نجاح استثنائية، ذلك أن هذا المشروع منذ اللبنات الأساسية قد وضع مسارات واضحة لدور الذكاء الاصطناعي في الإدارة الحضرية.
لكن، كيف يمكن دمج الذكاء الاصطناعي في مدن بنيت من عقود وتراكمت تحديات التطوير الحضري فيها، ومن بينها التغير في أنماط الطقس، ما أدى إلى تزايد مخاطر الكوارث الطبيعية، سواء في شكل ارتفاع مستويات الحرارة أو الرياح أو الأمطار، فقد شهدنا في الأعوام القليلة الماضية كيف أثرت هذه الأخطار في المجتمعات والمدن في شتى أنحاء العالم، منها مدن كانت تمثل فخر التصميم الحضري وتتمتع بسمعة لافتة في البنى التحتية.
ومن التحديات الضغط الكبير على الموارد في جعل توفير الغذاء في المدن الحضرية مصدر قلق، خاصة مع تباين واسع في فجوة متزايدة في المجتمع للحصول على الموارد الكافية، فبينما يحصل الأثرياء على فائض ضخم منها، تجد أحياء واسعة فقرا في الموارد كلها أو أحدها، وإذا كانت هذه التحديات مرصودة بعناية وهناك مراصد حضرية في كل مدينة تقريبا، فإن الحلول تبدو صعبة، ومعظمها يستند إلى استخدام البيانات الضخمة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.
لكن هذه التطبيقات الحديثة ليست بلا تحديات، فقد رصدت "الاقتصادية" هذه التحديات في استطلاع آراء نشرته أخيرا لفهم قدرات الذكاء الاصطناعي في تغير أنماط الحياة الحضرية.
ومن المدهش أن يكون المرتكز الأساس الذي يعزز فكرة استخدام الذكاء الاصطناعي في المدن هو أول التحديات، فوجود البيانات المتاحة، لا يعني بالضرورة قدرته على استخدامها في إدارة المدن، ما لم تتم إعادة تشكيل هذه البيانات وربطها في بنية رقمية تشبه البلوكتشين، فالبيانات المتاحة معظمها مجزأة للغاية وغير موحدة، ولا يوجد تداخل كاف بين التخصصات المختلفة يسمح لنا بفهم تأثيرها في بعضها بعضا، لذلك فإن المدن الراغبة في معالجة تحديات المستقبل المقبلة -ولا ريب- وترغب في إدخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتطويرها لا بد لها من البدء اليوم بمعالجة البيانات وتوحيد أنماط الإدخال والمسميات والمفاهيم، ولا بد من تركيز موحد على طول المدينة وفي قطاعاتها كلها.
تشير بعض الدراسات المتخصصة إلى أن التحديات الأخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي هي أكبر التحديات اليوم، وهنا يؤكد استطلاع "الاقتصادية" أن الدول التي ستنجح في توظيف الذكاء الاصطناعي ستأخذ زمام المبادرة وتضع القواعد واللوائح للآخرين حول كيفية استخدامه من قبل المدن والدول الأخرى، التي ترغب في نسخها، هنا يظهر بأن تأخر التثقيف العام بشأن الذكاء الاصطناعي واستخداماته العادلة سيكون معول هدم لا معول بناء، فالمدن التي ستدفع بجهودها بنجاح ستكون قيادية وغيرها تابع لها، وهذا النجاح له تبعات مستمرة ومقلقة، فالاستطلاع الذي نشرته "الاقتصادية" يتنبأ بتقسيم المدن وفقا لذلك إلى مدن ثرية استطاعت استقطاب أفضل العقول والمهارات، وتضع القواعد والإجراءات بل القوانين أيضا وتقود العالم المتحضر في المستقبل، بينما المدن التي فقدت زمام المبادرة ستكون تابعة لها.
للفوز بسبق المبادرة لا بد أن تعمل المدن الذكية اليوم على توسيع مفاهيم الحوكمة الرقمية، واعتماد الحوسبة عالية الأداء وتقنيات الجيل الخامس والخدمات السحابية ومنصات البيانات الحضرية وتعزيز الكفاءة وضمان جمع البيانات بشكل غير متحيز في الوقت نفسه، كما لا بد من اعتماد إجراءات شراء مبتكرة، تستلزم متطلبات الذكاء الاصطناعي المسؤول تقنيا وأخلاقيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي