رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


قوة لوجستية قادمة

في كل عام يصدر البنك الدولي تقريره عن مؤشر أداء الخدمات اللوجستية، ويقيس هذا المؤشر أداء (160) دولة في الترتيب الدولي في مؤشر الكفاءة اللوجستية، في موضوعات وجوانب تشمل مدى سهولة إقامة وتنظيم روابط منتظمة عبر سلاسل الإمداد، والعوامل الهيكلية التي تجعل ذلك ممكنا مثل جودة الخدمات اللوجستية، والبنية التحتية المتصلة بمجالي التجارة والنقل، وعمليات مراقبة الحدود، فالمؤشر يعد مقياسا اقتصاديا عالميا مهما عن قدرة الدول على نقل السلع عبر الحدود بسرعة وبشكل منتظم.
ونلحظ أن هذه العبارة لها دلائل كثيرة يجب الوقوف عندها، فنقل البضائع بسرعة هو أمر مفصلي في أي اقتصاد، وسواء كان ذلك داخل الدولة أو عبر حدودها، وسواء كان للداخل أو للخارج، فالسرعة أمر حيوي مطلوب، ذلك أن الأسواق تطلب البضائع بشكل آن، فالبطء في الإجراءات يعني تكلفة تخزين، وتكلفة التخزين عادة من التكاليف الغارقة التي يصعب إقناع العميل باستردادها، وهي أيضا محل التنافسية الكبيرة بين المنشآت، وقد استطاعت المنشآت المتخلفة تطوير مفهوم نقل البضائع حال طلبها Just in Time للوصول بتكلفة المخزون إلى الصفر، ونجحت كثير من المنشآت في تطوير هذه الاستراتيجية، لكن لا يمكن الوصول إليها إلا في دول استطاعت أن تحقق تقدما كبيرا في أداء الخدمات اللوجستية، ولهذا الأمر فقد كثير من الدول صناعتها الاستراتيجية بسبب ضعف قدراتها اللوجستية، لكن الأمر لا يتوقف عند مسألة السرعة، بل من المهم أن يكون ذلك بشكل منتظم، وهذا يتطلب منهجية متكاملة للخدمات اللوجستية وليس مجرد أداء وقتي سريع.
من الجدير بالذكر هنا أن السعودية قد حققت إنجازا كبيرا في مقاييس هذا المؤشر العالمي بعد أن قفزت (17) مرتبة، وتقدمت إلى المرتبة الـ38 من بين (160) دولة في الترتيب الدولي في مؤشر الكفاءة اللوجستية، ورغم أن تقرير البنك الدولي قد بين أن تفشي فيروس كورونا قد تسبب في زيادة المدد الزمنية لتسليم الشحنات زيادة كبيرة، فالقفزة التي شهدتها المملكة جاءت لتؤكد أن المملكة جاهزة فعلا من الجانبين التنظيمي من جانب السرعة، لذلك استطاعت أن تحقق المراكز المتقدمة في المؤشر الدولي، وهذا لا شك نتيجة جهود واسعة قامت بها المملكة منذ دشن خادم الحرمين الشريفين رؤية السعودية 2030، وهي نتيجة واضحة لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية الذي تم إطلاقه في 2019، وفي 2021 أطلق الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، رئيس اللجنة العليا للنقل والخدمات اللوجستية، الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، وأكد حينها ضرورة استثمار الموقع الجغرافي الذي يتوسط القارات الثلاث في تنويع الاقتصاد الوطني، من خلال تأسيس صناعة متقدمة من الخدمات اللوجستية، وبناء منظومات عالية الجودة من الخدمات، وتطبيق نماذج عمل تنافسية لتعزيز الإنتاجية والاستدامة في قطاع الخدمات اللوجستية، لذلك عندما صدر التقرير الدولي لعام 2023 كان واضحا أن السعودية تسير في المسار الصحيح بطمأنينة، وأن الإنجازات تتوالى في هذا القطاع المهم والحيوي، وأن ذلك نتيجة لفعل مخطط له بعناية فائقة، ولذلك أيضا تجاوزت مشكلة جائحة كورونا بسهولة واستطاع الاقتصاد السعودي النمو كأفضل دولة في مجموعة العشرين.
ولأن الطموح لا يزال كبيرا رغم ما تحقق من إنجازات كبيرة، فقد تم إطلاق المخطط العام للمراكز اللوجستية، الذي يهدف إلى تطوير البنية التحتية للقطاع اللوجستي وتنويع الاقتصاد المحلي، وتعزيز مكانة المملكة كوجهة استثمارية رائدة ومركز لوجستي عالمي، وذلك وفق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، ولفهم أهمية هذه الخطوة الاستراتيجية وبالعودة إلى التقرير الدولي المشار إليه سابقا، فإن في الوقت الذي تستغرقه السلع من لحظة دخول الحاوية ميناء البلد المصدر حتى تغادر ميناء المقصد (جهة الوصول)، يصل في المتوسط إلى 44 يوما بما يعادل 60 في المائة من الوقت الذي يستغرقه تداول السلع دوليا، لذلك فإن أي اختراق لهذه المدد يعني القفز إلى المنصات العالمية والوجهات الأكثر طلبا لنقل السلع، والمملكة تمتلك موقعا جغرافيا مميزا وسط قارات العالم، لذلك تأتي المراكز اللوجستية لتحقيق مثل القفرات الكبيرة، وقد انتهى التقرير الدولي إلى أكبر تأخير يحدث في الموانئ والمطارات والمرافق متعددة الوسائط، ومن شأن وضع سياسات تستهدف هذه المرافق أن يساعد على تحسين انتظام الخدمات وموثوقيتها، هنا يأتي دور المخطط العام للمراكز اللوجستية التي أطلقه ولي العهد تأكيدا لأهميته، فحيث يضم المخطط العام للمراكز اللوجستية (59) مركزا بإجمالي مساحة تتجاوز (100) مليون متر مربع، تتضمن (12) مركزا لوجستيا لمنطقة الرياض، و(12) مركزا لوجستيا لمنطقة مكة المكرمة، و(17) مركزا لوجستيا للمنطقة الشرقية، و(18) مركزا لوجستيا في بقية مناطق المملكة، ويجري العمل حاليا في (21) مركزا على أن تكتمل جميع المراكز بحلول 2030، وهي تعمل على تحقيق الشرطين الأساسيين للخدمات اللوجستية وهما السرعة والانتظام، من خلال توفير إمكانية تتبع عالية وتيسير استخراج تراخيص مزاولة النشاط اللوجستي، وفق مبادرة الفسح خلال ساعتين، كما تعمل على تحسين إجراءات التخليص الجمركي، واعتماد التقنيات الرقمية، وهذا في مجمله يجعل الخدمات اللوجستية شريان الحياة للصناعة المحلية والتجارة الدولية، ما يجعل المملكة قوة تنافسية جبارة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي