لباسك سر ذكائك

يخطئ من يربط بين الزهد والتقوى وبين الملابس الرثة، ويعد التجمل واللباس الحسن وإظهار نعم الله على الإنسان من الترف والبذخ، رغم أن الله حث على الجمال والتزين، فقال تعالى في كتابه العزيز: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين». فالمسلم يجب ألا يرى إلا قويا في حركته، جميلا في مظهره.
والاستمتاع بالجمال في النفس والكون يمنح الإنسان الدافع لمزيد من العمل والإنتاج "كن جميلا ترى الوجود جميلا".
ومطلب ديني يؤكده ما رواه المؤرخون عن صفات وأذواق الصحابة والتابعين وكبار العلماء وما يفضلونه من الملابس والأطعمة والأمتعة، ونقلوا مذاهب العلماء في "الأناقة"، واختياراتهم في شتى المقتنيات المادية، بالدقة نفسها التي ذكروا بها أقوالهم في الدين والفقه والآداب، فالإسلام لم يترك لنا شاردة أو واردة من أمور الدنيا والآخرة إلا بينها لنا، فالله يحثنا على التمتع بالطيبات من الرزق. يقول ابن عباس الصحابي الجليل: "كل ما شئت، والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة"، أي دون إسراف أو تكبر على الناس.
لقد ربط السلف بين الأناقة في الملبس والمروءة والذكاء وطرد الهموم. نقل عن عبدالله بن عمر، قوله: "من مروءة الرجل نقاء ثوبه"، وعن الشافعي، قوله: "من نظف ثوبه قل همه، ومن طاب ريحه زاد عقله".
ومن أشهر من نقلت أخبار أناقته وعدد ملابسه وأسعارها "الإمام أبي حنيفة"، يقول تلميذه أبو مطيع البلخي "رأيت عليه -يعني أبا حنيفة- الجمعة قميصا ورداء، قومتهما بأربعة مائة درهم"، أي ما يعادل اليوم 500 دولار أمريكي تقريبا.
وعرف عن الإمام مالك أناقة ملبسه ومسكنه وحبه للطيب، ومن مظاهر أناقة مالك التي سجلها مترجمو سيرته، أنه كان يكثر من تغيير ملابسه، فكان "يغير ثيابه الجمعة حتى نعله"، وكان يرتدي خاتما فخما من الفضة ذا حجر أسود نقش عليه "حسبنا الله ونعم الوكيل"، ويقال إنه رحل وترك وراءه 100 عمامة، التي كانت أساسا في أناقته و500 زوج من النعل، فضلا عن أثاث بيته الفاخر.
واشتهر العلماء بأناقتهم ولباسهم المميز، ويقال: إن القاضي أبا يوسف أول من غير لباس العلماء، فأصبح عبارة عن طيلسان "وشاح" وثوب مبطن من الداخل. ويرى نجم الدين الغزي أن من علامات الحمق أن يلبس المرء لبس الجنود أو الفتوات تارة وتارة أخرى لباس العلماء، وأن يقول كلاما ويناقضه، ويدخل ويخرج من المجلس دون حاجة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي