هذا ما يبدو عليه الازدهار .. بعيد كل البعد عن المملكة المتحدة
تثير كثير من العطلات في الدول الأجنبية الجيدة السؤال التالي، "لماذا لا نقوم بالأمور بهذا الشكل في الوطن؟"، لكن هذا العام بدأت هذه الفكرة تستحوذ على عقلي. لقد ذهبنا إلى ألمانيا - جبال الألب والغابة السوداء - وفي كل مكان نظرت فيه، شعرت بشيء من الحسد. ففي جبال الألب، تضم قرية فارشانت "عدد سكانها 3،601 نسمة" مسبحا بطول 50 مترا، ومسبحا للغطس، ومسبحا للأطفال ومجموعة متنوعة من الزلاقات. كتبت الأسبوع الماضي عن مباهج الترام المجهزة جيدا في فرايبورغ، والشوارع المرصوفة بالحصى التي يمكن المشي فيها ومشهد البيع بالتجزئة النابض بالحياة.
ثم هناك الأفعوانيات. بما أنني زرت مدينة ألتون تاورز الترفيهية في إنجلترا ومدينة يوروبا-بارك الترفيهية في ألمانيا في تتابع سريع. جعلت المقارنة مدينة ألتون تاورز تبدو ضيقة ومتداعية، مع وجود طوابير انتظار طويلة حتى في أيام الإثنين الرطبة. ستبيعك ألتون تاورز، بسعر مؤلم، القدرة على تخطي طوابير الانتظار هذه. يبدو أن مفهوم تحقيق الدخل من تخطي الطابور لم يخطر في بال الألمان، حيث كانت مواقف السيارات مريحة وكانت الطوابير أقصر وأكثر تسلية. كانت حديقة رولانتيكا المائية المجاورة أكثر متعة من أي بديل بريطاني رأيته. إنها مذهلة، ونظيفة وماتعة.
الانطباع العام الذي توصلت إليه من عطلتي في ألمانيا؟ هذا ما يبدو عليه الازدهار - ولا تملكه المملكة المتحدة. من الخطر استخلاص استنتاجات من زيارة قصيرة إلى المناطق السياحية الرائجة. ربما تكون لدي انطباع مختلف عن أكتوبر الماطر في أيزنهوتنشتات. ولذا فقد لجأت إلى البيانات الاقتصادية لمعرفة أين تقف المملكة المتحدة حقا.
بدأت النظر في بيانات البنك الدولي للناتج المحلي الإجمالي للفرد، التي تم قياسها "بدولارات 2017 الدولية" - وهي محاولة غير مثالية لكنها ضرورية للتكيف مع تكلفة المعيشة المتغيرة بين الدول ومع مرور الوقت. في 2007، قبل الأزمة المالية تماما، كان نصيب الفرد من الناتج المحلي في المملكة المتحدة "بالدولار لـ2017" يزيد قليلا على 44 ألف دولار.
في مرتبة أعلى منا، كانت ألمانيا تزيد قليلا على 47 ألف دولار، خلف الدنمارك عند أكثر من 53،500 دولار. كانت الولايات المتحدة عند نحو 56 ألف دولار. وكانت فرنسا وراء المملكة المتحدة بنسبة ضئيلة، وسلوفينيا عند أقل من 35 ألف دولار، وكانت بولندا عند أقل من نصف المستوى البريطاني.
بحلول 2022، نما نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة بأكثر من 15 في المائة، وفي الدنمارك 11 في المائة. وقد نمت ألمانيا 14 في المائة، وكانت سلوفينيا أغنى بنسبة 21 في المائة مما كانت عليه في 2007. وقد كان أداء بولندا أفضل حتى مع نمو تجاوز 70 في المائة.
ماذا عن المملكة المتحدة؟ مثل فرنسا، بالكاد تحركت المملكة المتحدة عند أقل من 47 ألف دولار. تبدو مستويات المعيشة في ألمانيا، التي كانت قبل عقدين من الزمان بعيدة قليلا، أصبحت الآن بعيدة كل البعد. ربما ستضيق هذه الفجوة مرة أخرى، حيث تتعرض ألمانيا لضغوط بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والمنافسة من الصين. لكن لا يبعث على الراحة إذا تعثرت ألمانيا. وفي الوقت نفسه، فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في سلوفينيا في طريقه إلى تجاوز مثيله في المملكة المتحدة في غضون بضعة أعوام، تليها بولندا بعدها بفترة وجيزة.
يعكس الأداء الاقتصادي الضعيف للمملكة المتحدة تراكما بطيئا لخيبات الأمل، حيث عانى اقتصاد ثقيل التمويل ركودا حادا في 2008 "ألقي اللوم على جوردون براون"، وانتعاش بطيء "ألقي اللوم على ديفيد كاميرون"، ومزيد من الأضرار الاقتصادية من كوفيد- 19 "ألقي اللوم على بوريس جونسون"، والصدمة الاقتصادية لليز تروس "ألقي اللوم على ليز تروس". وكخلفية لكل هذا، فإن التكاليف الاقتصادية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تتراكم باطراد "يمكن أن تتحمل تيريزا ماي نصيبها من اللوم هنا".
إن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ليس مقياسا مرضيا لازدهار الإنسان، لكن هذه الأرقام الجافة تعكس شيئا حقيقيا جدا. كتب كريشان شاه وجريجوري ثويتس من مؤسسة ريزوليوشن أن "الولايات المتحدة، وفرنسا وألمانيا جميعها أكثر إنتاجية بنحو السدس من المملكة المتحدة. لكن هذه الفجوات الموحدة في الإنتاجية تترجم إلى فجوات مختلفة على نطاق واسع في متوسط دخل الأسرة". فرنسا ليست أكثر ثراء من المملكة المتحدة لأن الفرنسيين يستخدمون إنتاجيتهم للعمل لساعات أقل والتقاعد مبكرا. الأمريكيون أكثر ثراء لكن يتعين عليهم تحمل ساعات أطول والتمتع بخدمات أقل من الحكومة.
تتخذ المجتمعات خيارات، لكن الخيارات تكون أفضل في بلد أكثر إنتاجية، حيث يمكن للمواطنين الاستمتاع بتقاعد أطول، وإجازات أطول، ومزيد من الاستهلاك ومزيد من الألعاب الأفعوانية. يمكن للأمة أيضا، مع الأولويات والقواعد الصحيحة، أن تتمتع بفوائد النمو الاقتصادي بينما تنبعث منها كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون.
يجادل معلق السوق الحرة سام بومان بأن المملكة المتحدة بحاجة إلى التعرف على أقرانها حقا، "تشبه المملكة المتحدة الآن بولندا أكثر بكثير من الولايات المتحدة من حيث أنواع النمو التي تحتاج إلى القيام بها". وبومان يعني أن البريطانيين لم يعودوا في الطليعة التكنولوجية، فبدلا من تطوير الصناعات الرائدة عالميا من أجل النمو، نحتاج فقط إلى الحصول على الأساسيات الصحيحة، طاقة أرخص، منازل أرخص، ومزيد من الاستثمار. مثل أي اقتصاد ناشئ، ينبغي أن نطمح ببساطة للحاق بالركب.
هذا من قبيل المبالغة. في مجال الذكاء الاصطناعي، والطب الحيوي والفنون الإبداعية، لا يزال لدى المملكة المتحدة بعض الشركات والقطاعات في الطليعة العالمية أو قريبا منها، لا يزال بإمكاننا أن نهدف إلى الريادة الاقتصادية. لكن المبالغة في تقدير القوة الاقتصادية للمملكة المتحدة أصبحت ذريعة للإصابات الذاتية التي ألحقناها بأنفسنا، مثل مغادرة السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي. ارتكبت المملكة المتحدة كثيرا من الأخطاء الأخرى في السياسة على مدار الـ15 عاما الماضية، من خفض الإنفاق ورفع الضرائب في أعقاب الركود العميق، إلى الأخطاء الخادعة مثل قلة الاستثمار في كل شيء من معدات المستشفيات إلى المجاري، ووضع عقبات لا حصر لها أمام بناء منازل جديدة وسياسة مزمنة لا يمكن التنبؤ بها. يبدو أن إتمام الأساسيات بشكل صحيح أمر يستحق المحاولة.
دعونا لا نتخلى عن الحلم بأن تكون المملكة المتحدة هي الدنمارك المقبلة. لكن دعونا لا ننكر إمكانية أنه إذا لم نتمكن من تبني سياسات أفضل، فسنجد أنفسنا نحدق بدلا من ذلك في بولندا.