هيمنة فضائية بعوائد اقتصادية

التنافس العالمي في ميدان الفضاء لم يتوقف منذ الانطلاقة الأولى للصناعة الفضائية. وفي نهاية الثمانينيات وعقد التسعينيات، بدأ هذا التنافس يتحول إلى تعاون دولي واتفاق على أهميته من أجل ضمان حراك فضائي عالي الجودة، وعوائده على البشرية جمعاء.
حتى إن أكبر المتنافسين آنذاك الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة، دخلا في برامج فضائية مشتركة أدت -كما هو معروف- إلى إنشاء المحطة الفضائية العالمية التي لا تزال تعمل منذ أكثر من عقدين.
وبعيدا عن التجاذبات السياسية التي عادت إلى الساحة، ولا سيما التوتر الواضح في العلاقات بين دول متقدمة وكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا. أظهرت صناعة الفضاء أهميتها لتتحول مع الوقت إلى اقتصادات أساسية في المنظومة العالمية. ورغم المصاعب الاقتصادية التي يمر بها العالم منذ أكثر من عامين، إلا أن هذه الصناعة شهدت نموا لافتا بلغ في العام الماضي 8 في المائة، ليصل إجمالي الإنفاق في هذا الميدان إلى أكثر من 546 مليار دولار، وفق وكالة سبيس فاونديشين، في حين توقعت أن يرتفع النمو بنسبة 41 في المائة خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
التنافس في هذا المجال يتصاعد بالطبع لأسباب اقتصادية أكثر منها سياسية، والأسباب متعددة على رأسها ارتفاع الطلب على الخدمات التي توفرها صناعة الفضاء عموما، واتساع رقعة الشبكة الدولية والاتصالات عموما، التي تعتمد على الأقمار الاصطناعية والروبوتات المساندة، وهذا يعني أن العوائد ترتفع أيضا بما يخدم اقتصادات الدول التي دخلت ميدانا لا حدود لآفاقه، ولا شك أن التقدم الفني المتواصل على صعيد الأقمار الاصطناعية والأدوات المساندة لها، يحقق مجموعة من الأهداف في مقدمتها انخفاض التكاليف أصلا، فمع الوقت تتراجع تكلفة الإنتاج، وبالتالي تنخفض معها الأسعار المعروضة، مع الإشارة إلى التقدم المذهل على صعيد المستقبلات. وهذه النقطة أساسية ومهمة للغاية، لأنها تعتمد على مواءمة الأجهزة الفضائية مع الأجهزة التي تتعامل حول الأرض.
ولا شك أن التنافس يتعاظم حاليا على صعيد البنية الفضائية التحتية، فلا يزال العالم في مرحلة التكوين -إن جاز القول- رغم مرور أكثر من 70 عاما على البدء في التجارب الفضائية الأساسية. وهذا التنافس بات يشمل دولا حققت تقدما ملحوظا ومستمرا مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، إضافة إلى ريادة الولايات المتحدة حتى الآن في هذا المجال، وكلما قلت التكلفة تقدمت الخطوات أكثر في ميدان البنية التحتية الأساسية، فالمجموعات الجديدة من الأقمار الاصطناعية -مثلا- باتت تدور في مدارات قريبة جدا من الأرض، وهذه نقطة تساعد على عمليات التشغيل والوصول إلى البيانات المطلوبة بأعلى المعايير.
كل هذا يدخل في خدمة الحراك العالمي كله دون استثناء، فالصناعة الفضائية بكل روابطها، باتت أساسية في توفير البيانات الموثوقة على مختلف الأصعدة، مثل البيئة والاتجاهات العالمية، وتقييم ما يجري على كوكب الأرض من أنشطة مختلفة، وبصرف النظر عن التنافس التجاري -وهذا أمر طبيعي- إلا أن النشاطات الفضائية كلها تسهم في خدمة دعم الاتصالات والملاحة الجوية والبحرية، فضلا عن أنها تساعد على تقييم المخاطر الطبيعية، ووضع المخططات اللازمة لمواجهتها إذا وقعت.
ورغم كل هذه النتائج الواضحة بالنسبة إلى البشرية والتوجه العالمي العام، إلا أنه لا تزال هنا ثغرات تتعلق بالأمان، يجري العمل على ردمها، وعلى رأسها النفايات الناجمة عن الأنشطة الفضائية عموما، فالتلوث الفضائي بات مسألة أساسية لا بد من الوصول إلى حلول ناجعة وحاسمة له. ولا شك أن التعاون العالمي يبقى الأكثر ضمانا لكل شيء، بما في ذلك العوائد المرجوة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي