"كريدي سويس" .. كثير على المحك مالم يتم إنقاذه
تحول بنك كريدي سويس من كونه مصدر إحراج علني لسويسرا إلى مصدر عار غير معلن عنه بالنسبة إلى ساسة البلاد والمنظمين فيها. وكان اليوم المحوري هو 18 مارس، عندما قاد المسؤولون السويسريون المقرض المتعثر لدمجه إجبارا بمنافسه الأكبر بنك يو بي إس.
لكن قبل ذلك، سلط هروب الودائع وانهيار الأسهم في بنك كريدي سويس الضوء على نقاط الضعف، فيما كان من المفترض أن تكون السوق المصرفية الأكثر أمانا في أوروبا. وبعد الصفقة، كانت المشكلة هي مدى ضآلة المبلغ - ثلاثة مليارات فرنك سويسري (3.3 مليار دولار) - الذي تقاضته السلطات السويسرية من بنك يو بي إس لتعزيز حصته في السوق.
يرفض أحد المصرفيين السابقين في بنك كريدي سويس فكرة أن "الحل السويسري" كان الخيار الوحيد، حيث يقول: "كان من السهل للغاية إشراك جميع المشترين المحتملين في نهاية ذلك الأسبوع. لقد تمكنوا من ذلك في عمليات إنقاذ البنوك الأمريكية".
وتعد العملية المحلية المتعلقة ببنك كريدي سويس، المسماة كريدي سويس شويز (سي إس إس)، بمنزلة نقطة جذب للاستياء. وهناك ضغوط سياسية في سويسرا، التي ستجري انتخابات وطنية في 22 أكتوبر، على بنك يو بي إس لتصفية أعماله. وقد أظهر استطلاع للرأي أجري في مارس أن ثلاثة أرباع الناخبين السويسريين يؤيدون انفصاله عن بنك يو بي إس.
لكن يبدو أن كولم كيليهر رئيس مجلس إدارة بنك يو بي إس وسيرجيو إرموتي رئيسه التنفيذي يفكران في التمسك بعملية كريدي سويس شويز. إذ أشار البعض إلى أن ذلك كان أحد أسباب إنهاء شبكات الأمان الحكومية هذا الشهر. واستغنى بنك يو بي إس عن اتفاقية الحماية من الخسائر بقيمة 10.3 مليار دولار ودعم السيولة العامة بما يصل إلى 114 مليار دولار. وتم تفسير هذه الخطوة على نطاق واسع على أنها لفتة لتهدئة الناقدين.
إضافة إلى كونه بنكا أوروبيا، يعد بنك يو بي إس أيضا مديرا مهما للثروات على مستوى العالم، حيث كانت الأصول التي اكتسبها البنك كجائزة من صفقة مارس هي قسم إدارة الثروات الخاص ببنك كريدي سويس، وأدى ذلك إلى رفع القيمة المتوقعة للأصول التي تغطي رسوم بنك يو بي إس إلى ما يقدر بنحو 1.8 تريليون دولار.
كما أن بنك الأفراد والتجارة التابع لكريدي سويس لا يجب التقليل من شأنه، إذ حقق أرباحا قبل الضرائب بلغت 1.7 مليار دولار على إيرادات وصلت إلى 4.7 مليار دولار في 2022. وكان لديه 193 مليار دولار من القروض المستحقة العام الماضي، ما وضعه في المرتبة الثالثة في سويسرا خلف بنك يو بي إس ورايفايزن شويز. كما أن لديه بنكا خاصا يساعد على جلب عملاء إدارة الثروات.
إن التمسك بعملية كريدي سويس شويز يمنح بنك يو بي إس ما بين ربع إلى ثلث السوق المصرفية السويسرية المحلية. وقد تم تعليق قواعد مكافحة الاحتكار للسماح بعملية الاستحواذ. ولا تزال هناك مخاوف قائمة من أن المنافسة قد تضررت، على الرغم من الموقف القوي لبنك رايفايزن شويز ومجموعة من بنوك الأقاليم.
ما هي قيمة عملية كريدي سويس شويز إذا احتاج بنك يو بي إس إلى بيعه أو الانفصال عنه؟ قام أندرو كومبس، من بنك سيتي، اخيرا بتقييم الشركة بأكثر من 18 مليار دولار، لكن المحللين المتشائمين يتوقعون سعرا أقل من نصف ذلك.
في كلتا الحالين، لا تزال هناك نقطتان مقنعتان قائمتين. الأولى، أنه من شبه المؤكد أن أي عملية بيع أو انفصال ناتجة عن عملية كريدي سويس شويز ستكون أعلى من مبلغ الـ3.3 مليار دولار الذي دفعه بنك يو بي إس مقابل بنك كريدي سويس بأكمله، وهو السعر الذي لا يسمح حتى للدولة بمحو 17 مليار دولار من التزامات بنك كريدي سويس كنوع من الحافز المالي.
الثانية، تبلغ قيمة عملية كريدي سويس شويز تلقائيا بالنسبة إلى بنك يو بي إس أكثر من قيمته المستقلة. ويجب أن يؤدي دمج الوحدة إلى توفير التكاليف. ويقدر أميت جويل، من بنك باركليز، تلك الوفورات بنسبة 10 إلى 30 في المائة المجموعة البالغة ثمانية مليارات دولار التي وعد بها بنك يو بي إس في البداية.
بالنسبة إلى السياسيين السويسريين من يسار الوسط، فإن "التآزر" هي كلمة رمزية للآلاف من الوظائف المفقودة. وفي الوقت الحاضر، تشير استطلاعات الرأي إلى أن السياسة السويسرية التوافقية تنحرف نحو الوسط في أكتوبر، الأمر الذي يخفف بعض الضغوط عن بنك يو بي إس. علاوة على ذلك، لا تعد الصفقة حاليا قضية انتخابية مهمة للأحزاب الكبيرة، وفقا للمحللة السياسية سارة بوتيكوفر، وقد يتغير ذلك إذا أعلن بنك يو بي إس عن تخفيضات في الوظائف.
ولذلك يعتقد بعض الناقدين أن إرموتي يجب أن ينتظر إلى ما بعد الانتخابات لنشر خطط إعادة الهيكلة، ولكن هذا سيكون محرجا بأي حال، حيث وعد باتخاذ قرار بشأن عملية كريدي سويس شويز "بحلول نهاية الصيف" على أبعد تقدير. وستمنحه النتائج ربع السنوية في 31 أغسطس منصة للقيام بذلك، أو على الأقل فرصة لتخفيف المقاومة لعملية دمج عملية كريدي سويس شويز.
ستكون عملية موازنة صعبة، ومن أجل الإبقاء على المستثمرين سعداء، يحتاج بنك يو بي إس إلى إظهار أن استيعاب بنك كريدي سويس قد بدأ بشكل جيد، مع الاحتفاظ بالعملاء كمقياس رئيس. بالنسبة إلى جمهوره الأوسع، سيتعين على إرموتي التأكيد على عدد المخاطر المتبقية.
إذا ضغط السياسيون الحاليون في الحكومة على إرموتي في السر فيما يتعلق بعملية كريدي سويس شويز، فيمكنه أن يشير على نحو مفيد إلى الواقع الذي تم تسليط الضوء عليه في البحث الذي أجراه كومبس. ومن الممكن أن يؤدي الانفصال أو التخلص بسهولة إلى زيادة الإحراج للسلطات السويسرية بدلا من التخفيف منه. وهذا من شأنه أن يؤكد مدى ضآلة سعر الاستحواذ الحقيقي بالنسبة إلى بنك كريدي سويس مقارنة بالمبالغ اللاحقة لأسعار أجزائه.
إن ترك عملية كريدي سويس شفايز في أيدي بنك يو بي إس، إحدى الطرق التي يمكن للمشرعين والمنظمين السويسريين أن يتجنبوا بها مزيدا من الخجل.