استهداف التضخم .. لماذا 2 %؟
ما السر خلف استهداف نسبة تضخم بمقدار 2 في المائة سنويا؟ وهل يستطيع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تحقيق هذا المستوى من ارتفاع الأسعار على المدى الطويل؟
الاحتياطي الفيدرالي مكلف بمهمتين رئيستين لمصلحة الدولة، الأولى الحفاظ على مستوى عال من التوظيف، والثانية استقرار أسعار السلع والخدمات في الدولة. والعلاقة بين هاتين المهمتين قوية إلى حد كبير، كما نجده فيما يعرف بمنحنى "فيليبس"، وهي علاقة في الأغلب طردية، حيث إن ارتفاع التوظيف ينتج عنه ارتفاع الأسعار، وفي المقابل تقلص الوظائف ينتج عنه ضعف في الطلب الاقتصادي العام ويؤدي ذلك إلى انخفاض الأسعار. والاحتياطي الفيدرالي بالطبع يقوم بهاتين المهمتين من خلال التحكم في المعروض النقدي ومعدلات الفائدة، ويحدث تضارب في إمكانية تحقيق هاتين المهمتين في آن واحد، فمثلا في السبعينيات الميلادية كان هناك ارتفاع في الأسعار وارتفاع في البطالة فاضطر الفيدرالي إلى استحداث مهمة رفع الإنتاج كمهمة ثالثة منوطة به لتجنب زيادة الوضع سوءا فيما لو أنه قام برفع معدلات الفائدة، في الوقت الذي كانت فيه البطالة مرتفعة.
وعلى الرغم من كون تحقيق مستوى عال من التوظيف من المهام الموكلة إلى الفيدرالي إلا أنه لا توجد لدى الفيدرالي نسبة بطالة محددة معلنة كما هي الحال مع معدل الفائدة المحدد بـ2 في المائة، كما أن هناك بنوكا مركزية أخرى هدفها الوحيد التحكم في معدلات الفائدة فقط، وذلك على افتراض أن استقرار الأسعار كفيل بمعالجة أي قصور اقتصادي بما في ذلك ارتفاع مستوى البطالة. ويبقى التساؤل: ما سبب تحديد نسبة 2 في المائة لارتفاع الأسعار بدلا من جعلها 0 في المائة أو حتى بالسالب؟
من المهم الإشارة إلى أن نسبة التضخم التي يستند إليها الفيدرالي في قراراته ليست نسبة التضخم التي تقاس من خلال مؤشر أسعار المستهلكين الذي يركز عليه إعلاميا، الذي ارتفع في يوليو الماضي بنسبة 4.8 في المائة سنويا بلا أسعار الغذاء والطاقة، بل إن الفيدرالي ينظر إلى مقياس المصروفات الشخصية PCE، ويعده المقياس الرئيس للتضخم الذي ارتفع بنسبة 4.1 في المائة ليونيو الماضي. الفارق بين هذين المقياسين للتضخم أن مقياس المصروفات الشخصية يستخلص من بيانات الناتج المحلي الإجمالي، وليس من خلال سلة مشتريات كما في أسعار المستهلكين، وفي كل الأحوال نتائج مقياس التضخم بعيدة عن النسبة المستهدفة للتضخم عند مستوى 2 في المائة سنويا.
لا يوجد سبب علمي لتحديد نسبة 2 في المائة كنسبة مستهدفة للتضخم السنوي، غير أن ذلك هو الرقم الذي حدده الفيدرالي وأعلنه رسميا في 2012، لكن الفيدرالي أكد لعدة مرات أن نسبة 2 في المائة ليست مقصودا بها أن نمو التضخم يجب أن يكون 2 في المائة على المدى القصير، بل إن تلك فقط النسبة المستهدفة على المديين المتوسط والبعيد، وبالتالي من الممكن أن يستمر التضخم عند مستويات أعلى أو أقل من ذلك في بعض الأعوام.
أما أسباب تحديد نسبة 2 في المائة دون غيرها، فوفقا لرئيس الأبحاث في فرع الفيدرالي في مدينة سانت لويس، فهناك ثلاثة مسببات، أولها أن عملية قياس التضخم ليست دقيقة ولا تشمل جميع السلع والخدمات وتنحاز نحو الارتفاع بطبيعتها، وثانيا بسبب العلاقة بين التضخم ومعدلات الفائدة، فإن تحديد نسبة تضخم أعلى من الصفر تمنح الفيدرالي نوعا من الحرية لخفض معدلات الفائدة حين يحتاج إلى ذلك، بينما لو كان نمو التضخم المستهدف صفرا لأصبحت معدلات الفائدة صفرا كذلك، والسبب الثالث لاستهداف نسبة تضخم أعلى من الصفر أن ذلك يساعد على تجنب ظاهرة تراجع الأسعار، وهي الظاهرة المعاكسة لارتفاع الأسعار، وتعد ظاهرة سلبية تؤثر في النمو الاقتصادي وتعوق التقدم والتطور، بحسب النظريات الاقتصادية.
الخلاصة أن استهداف تحقيق نسبة تضخم أعلى من الصفر وتحديد ذلك بنسبة 2 في المائة ليس مسألة علمية متفقا عليها، بل إن الحقائق على أرض الواقع تشير إلى نمو الأسعار من عام إلى آخر في كل مكان، وتحديد نسبة 2 في المائة تعد نسبة مقبولة للفيدرالي، وهي أفضل من تحديدها بصفر أو تحت الصفر.