طاقة الهيدروجين .. السياسات العالمية والدروس المستفادة «1 من 3»
أصبح الهيدروجين حديث الطاقة في المحافل والمناسبات الدولية، حيث يعد وقودا نظيفا عندما يتم تفاعله مع خلايا الوقود، ويمكن إنتاج الهيدروجين من مجموعة متنوعة من الموارد، مثل الغاز الطبيعي والطاقة النووية والطاقات المتجددة؛ مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقدرت القيمة السوقية العالمية للهيدروجين بنحو 160 مليار دولار في 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى 263.5 مليار دولار بحلول 2027، أي بمعدل نمو سنوي مركب قدره 10.5 في المائة. وفي الوقت الراهن، أضحى الهيدروجين خيارا جذابا لتطبيقات النقل والكهرباء ويمكن استخدامه في السيارات والمنازل، وكذلك في عديد من العمليات الصناعية، مثل وقود الصواريخ وتصنيع الأمونيا والأسمدة وهدرجة الزيوت النباتية غير المشبعة، كما يتم استخدامه أيضا في تصنيع عديد من المركبات العضوية مثل الميثانول. إن الصناعات الثقيلة في العالم تواجه رحلة صعبة لإزالة الكربون من عملياتها، لأنها تمثل ما يقرب من 40 في المائة من الاستخدام النهائي للطاقة في العالم، ويمكن استخدام الهيدروجين كوقود لتشغيل العمليات الصناعية كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل معالجة المعادن وتصنيع الزجاج. ومن المحتمل أن يكون الهيدروجين أداة لاستبدال الوقود الأحفوري في الصناعة التي يصعب تخفيفها من الكربون حين تصعب كهربة عديد من العمليات. وفي حقيقة الأمر، يوجد عدد من المبادرات، مثل قيام إحدى شركات تصنيع الصلب العالمية بتطوير الإنتاج على نطاق صناعي واسع، واستخدام الحديد المختزل المباشر والمصنوع من الهيدروجين كاملا.
ولو نظرنا إلى تكلفة إنتاج الهيدروجين بمختلف ألوانه في الوقت الراهن، لوجدنا أن معدل تكلفة إنتاج الهيدروجين الرمادي المنتج من الغاز الطبيعي يراوح حول دولار واحد لكل كيلوجرام، وقد ترتفع التكلفة في بعض الدول بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. أما الهيدروجين الأخضر المنتج باستخدام الطاقة المتجددة، فيراوح معدل تكلفته حول أربعة دولارات للكيلوجرام، وفي بعض التقديرات قد تصل التكلفة إلى عشرة دولارات للكيلوجرام. بينما يراوح معدل تكلفة إنتاج الهيدروجين الأزرق، بوساطة عملية احتجاز الكربون وتخزينه واستخدامه، حول ثلاثة دولارات لكل كيلوجرام، بينما قد تصل تكلفة إنتاج الهيدروجين الأزرق إلى خمسة دولارات لكل كيلوجرام بناء على أسعار الغاز. وأخيرا، نرى أن معدل تكلفة إنتاج الهيدروجين الوردي أو الأحمر بوساطة استخدام محطات الطاقة النووية (الموجودة مسبقا)، يراوح حول 3.5 دولار لكل كيلوجرام، وقد يصل معدل التكلفة إلى ثمانية دولارات لكل كيلوجرام بناء على نوعية المفاعل وأسعار الوقود النووي وغيرهما. وبالتالي نرى أن معدل إنتاج الهيدروجين الأخضر أكثر تكلفة من اللون الأزرق أو الرمادي، لكنها منافسة مع الهيدروجين الوردي. ولا يزال الهيدروجين الرمادي الأرخص تكلفة في الإنتاج، لذلك لا عجب أنه على عرش الإنتاج العالمي ومسيطر عليه بنسبة تفوق 95 في المائة، بينما يمثل الهيدروجين الأخضر أقل بكثير من 1 في المائة من إجمالي إنتاج الهيدروجين العالمي، لأن تكلفته بالنسبة إلى الهيدروجين الرمادي هي السبب الرئيس وراء انخفاض الطلب على الهيدروجين الأخضر.
ومع ذلك، فقد تنبـأ بعض الاقتصاديين بأن معدل تكلفة الهيدروجين الأخضر قد تنخفض إلى أقل من دولار واحد لكل كيلوجرام في الأعوام المقبلة بسبب التقدم التقني المتوقع، وانخفاض التكاليف الاقتصادية لأجهزة التحليل الكهربائي والطاقة المتجددة، وذكرت بعض التقارير اللاحقة أن تكلفة الهيدروجين الأخضر (سيناريو متفائل) قد تنخفض في 2040 أو في وقت مبكر 2030. يقول حاييم إسرائيل، رئيس الاستثمار الأسبق في بنك أوف أمريكا للأوراق المالية: "نرى في الواقع انخفاضا كاملا في تكلفة إنتاج الهيدروجين". ويقول في سياق آخر: "إن أسعار أجهزة التحليل الكهربائي انخفضت 50 في المائة منذ خمسة أعوام، وانخفضت تكاليف الطاقة المتجددة بنسبة تراوح بين 50 و60 في المائة. ونعتقد أن كليهما سينخفض 60 إلى 70 في المائة أخرى قبل نهاية العقد". وينظر إلى التكلفة كعامل مهم في عدم علو كعب الهيدروجين الأخضر حتى الآن على الرغم من النداءات العالمية. وبالتالي يعد عامل السياسة أو الاستراتيجية هو المؤثر نحو ضخ مزيد من الاستثمارات في الهيدروجين الأخضر من أجل أن نرى التكلفة منافسة مع بقية الألوان خصوصا الهيدروجين الرمادي. الجدير بالذكر أن قيمة سوق الهيدروجين الأخضر العالمية بلغت أربعة مليارات دولار في 2022، ومن المتوقع أن تصل إلى أكثر من 332 مليار دولار بحلول 2032، أي بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 55 في المائة من 2023 إلى 2032.
إن حجم الطلب على الهيدروجين سيتضاعف في الأعوام المقبلة، بل إنه سيصل إلى أرقام مذهلة بحجم التطبيقات التي دخلت في عموم الصناعات. ووفقا للوكالة الدولية للطاقة، فإن العالم سيحتاج إلى إنتاج 520 مليون طن من الهيدروجين النظيف سنويا بحلول 2050 للوصول إلى الحياد الصفري، لكن قدرت "بلومبيرج" حجم الطلب بـ 500 مليون طن سنويا بحلول 2050. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة 614 مليون طن في سيناريو 1.5 درجة مئوية، بينما يتوقع مجلس الهيدروجين الحاجة إلى إنتاج 660 مليون طن بحلول 2050. وعلى الرغم من تضارب الأرقام، إلا أن النتيجة واحدة وهي ضرورة إنتاج كم هائل من الهيدروجين، لذلك دخلت دول العالم في سباق الإنتاج على الرغم من أن أغلب السياسات الدولية تضغط نحو الهيدروجين النظيف، خصوصا الأخضر. في المقال المقبل، سنلقي الضوء على أهم السياسات والمستهدفات العالمية في إنتاج الهيدروجين... يتبع.