الأسواق وقعت في خطأ .. الفائدة لم تبلغ ذروتها بعد
أدت قوة الاقتصاد الأمريكي وشبح ضغوط الأسعار المستمرة إلى زيادة كبيرة في تكاليف الاقتراض على جانبي المحيط الأطلسي مع إعادة المستثمرين التفكير في مسار أسعار الفائدة العالمية.
وقد دفعت عمليات بيع السندات العالمية عوائد سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل عشرة أعوام قريبا من أعلى مستوى لها منذ 2007 هذا الأسبوع، في حين سجلت عائدات السندات الحكومية البريطانية المكافئة أعلى مستوياتها منذ 2008، ووصلت السندات الحكومية الفرنسية لأجل عشرة أعوام إلى مستويات لم تشهدها منذ 2012.
ويأتي ارتفاع العوائد، التي تتحرك عكسيا مع الأسعار، في أعقاب سلسلة من البيانات التي تشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يكون أقوى مما كان يعتقد سابقا، وبالتالي قد يستغرق التضخم الآن وقتا أطول حتى يصبح معتدلا. وقد دفع ذلك المستثمرين إلى تمديد أجل توقعاتهم حول الموعد الذي ستتمكن فيه البنوك المركزية من البدء في خفض أسعار الفائدة.
وذهب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى حد التحذير من وجود "خطر صعودي كبير للتضخم" في محضر اجتماعه الذي نشر الأربعاء، على الرغم من أن بعض المسؤولين بدوا أكثر تشككا بشأن الحاجة إلى مزيد من رفع أسعار الفائدة.
وقد فاجأت التحركات بعض المستثمرين الذين كانوا يعودون إلى سوق السندات لتأمين العوائد المعروضة، معتقدين أن أسعار الفائدة قد بلغت ذروتها.
وقال بيت هاينز كريستيانسن، مدير أبحاث الدخل الثابت في بنك دانسكي: "لقد تركزت الرواية التي تتجه إلى العطلة الصيفية حول الخطوة الكبيرة التالية المتمثلة في خفض أسعار الفائدة، لكن يبدو أن الأسواق قد وقعت في خطأ هنا".
قال أندريس سانشيز بالكازار، رئيس السندات العالمية في شركة بيكتيت أسيت مانجمنت: "العوائد في كل مكان ترتفع. حيث كان المستثمرون يبيعون السندات أخيرا استنادا لوجهة النظر القائلة إن البنوك المركزية لا تفكر في التخفيضات لأن سوق العمل ضيقة والتضخم الأساسي ثابت".
وعلى الرغم من الانخفاض الجمعة، كانت العوائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية نحو 4.23 في المائة، بزيادة 0.27 نقطة مئوية عما كانت عليه في بداية الشهر. وارتفعت عوائد السندات البريطانية لأجل عشرة أعوام 0.38 نقطة مئوية خلال الفترة نفسها في حين ارتفعت السندات الألمانية المكافئة - التي تعد معيارا لأوروبا - 0.15 نقطة مئوية لتصل إلى 2.62 في المائة.
وقال إد الحسيني، كبير المحللين في كولومبيا ثريدنيدل، إن ما يغذي الارتفاع في العوائد هو زيادة حادة في المعروض من السندات الحكومية. "عندما تكون لديك أساسيات وتقنيات متوافقة كما تفعل في هذه الحالة، فإنها تتغلب على كل شيء آخر".
وأعلنت وزارة الخزانة الأمريكية الشهر الماضي أنها تتوقع إصدار سندات صافية بقيمة تريليون دولار في الأشهر الثلاثة من يوليو إلى سبتمبر من أجل تعويض انخفاض الإيرادات الضريبية.
ومع زيادة الإصدار، قد يتضاءل الطلب من بعض المستثمرين الأجانب. وتظهر بيانات وزارة الخزانة الأمريكية أن قيمة سندات الخزانة المملوكة لليابان والصين - أكبر المالكين للديون الأمريكية - انخفضت 11 و12 في المائة على التوالي خلال العام حتى يونيو.
وأشار جيمس آثي، مدير الاستثمار في شركة أبردين، إلى أن خطوة اليابان الشهر الماضي لتخفيف سياسة التحكم في منحنى العائد "قد تشجع المستثمرين اليابانيين على خفض حيازاتهم العالمية لمصلحة السندات المحلية"، والتي قد تستمر في الضغط التصاعدي على عوائد الديون الأمريكية والأوروبية.
ويقول المستثمرون أيضا إنه مع ذهاب عديد من المتداولين في عطلة، فإن انخفاض أحجام التداول هذا الشهر يتسبب في تحركات كبيرة في أسعار السندات.
وقال مايك ريدل، مدير محفظة السندات في أليانز جلوبال إنفستورز: "إنها متقلبة بشكل جنوني في الوقت الحالي لأن السيولة سيئة جدا. معظم البيانات الأمريكية فاجأت الاتجاه الصعودي خلال الأسابيع الستة الماضية، وكان لهذا تأثير كبير في أسعار السندات".
وكانت بيانات مبيعات التجزئة الأمريكية هذا الأسبوع أكثر انتعاشا مما كان متوقعا بشكل كبير، حيث ارتفعت 0.7 في المائة في يوليو، في حين ارتفع مسح توقعات الأعمال الصناعية من بنك الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا لأغسطس إلى أعلى مستوى له منذ أبريل 2022.
وقال الاقتصاديون في سيتي جروب: "في ظل التوقعات بأن النمو سيسجل نحو 2 في المائة للربع الثالث على التوالي، فإنه ليس من الواضح لماذا يجب أن يتلاشى الضغط التضخمي".
كما حذروا من أن الأمر قد يتطلب "عوائد مستدامة أعلى لمدة عشرة أعوام لإبطاء الاقتصاد وقطاع الإسكان خصوصا لتحقيق هدف التضخم عند 2 في المائة".
في حين أن التضخم الأساسي في الولايات المتحدة - الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة - قد انخفض في الأشهر الأخيرة إلى 4.7 في المائة، إلا أنه لا يزال أعلى بكثير من هدف الاحتياطي الفيدرالي. ولا تزال المملكة المتحدة تتصارع مع ضغوط الأسعار الثابتة، حيث بلغ معدل التضخم الأساسي 6.8 في المائة، بينما يبلغ المعدل في منطقة اليورو 5.5 في المائة. وقد ساعد ارتفاع أسعار السلع الأساسية في جميع أنحاء القارة على رفع توقعات التضخم إلى أعلى مستوياتها في عقد من الزمان.
كما ظلت أسواق العمل ضيقة، حيث ارتفع متوسط الدخل في الساعة في الولايات المتحدة 4.4 في المائة على أساس سنوي في يوليو. وفي المملكة المتحدة، أظهرت الأرقام الرسمية هذا الأسبوع نموا سنويا في الأجور بـ7.3 في المائة، وهو أعلى نمو على الإطلاق.
وقال روبرت تيب، رئيس السندات العالمية في شركة بي جي أي إم فيكسد إنكوم: "أنت ترى ضغوطا على الأجور في كل مكان، وهم يمارسون الضغط على أصحاب العمل لفرض أجور أعلى - وهذا لا يفضي إلى تراجع سريع إلى التضخم المستهدف".
ويتوقع أن يرى "مركز جذب مستقر للعوائد طويلة الأجل عند 4 في المائة" خلال العام إلى الأعوام الثلاثة المقبلة. وقال: "إن تصورات السوق في الوقت الحالي هي أن سعر الفائدة المحايد للأموال الفيدرالية هو 2.5 في المائة وأن الاحتياطي الفيدرالي سيعود إليه في نهاية الأمر، لكنني أشك حقا في ذلك".
وقد أصرت البنوك المركزية على جانبي الأطلسي على أنها ستظل تعتمد على البيانات التي تعتمد على قرارات أسعار الفائدة في المستقبل.
وقال الاقتصاديون في شركة إيفركور إن الارتفاع الأخير في العوائد "يمثل تشديدا خطيرا للظروف المالية"، والذي بدوره قد يساعد في جهود بنك الاحتياطي الفيدرالي لترويض الضغوط التضخمية. وخلصوا إلى أنه سيساعد على "تعويض المفاجأة الصعودية للنمو فيما يتعلق بتوقعات التضخم".
ويراهن المتداولون حاليا على أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيبقى قريبا من السعر المستهدف الحالي البالغ 5.25 إلى 5.5 في المائة حتى منتصف العام المقبل، وأن البنك المركزي الأوروبي سيقدم زيادة أخرى على سعر الفائدة بمقدار 0.25 نقطة مئوية بحلول نهاية العام لتصل إلى 4 في المائة وأن سعر الفائدة لبنك إنجلترا سيبلغ ذروته عند 6 في المائة بحلول أوائل العام المقبل.