سيكولوجية الانتقال من منزل .. ما الذي يفعله بعقلك؟
كم مرة يمكن أن تقع في حفرة؟ سألت نفسي هذا السؤال مرة على الأقل كل شهر نحو تسعة أعوام حتى الآن. في كل مرة اسحب فيها طفل آخر من أطفالي وهو ينتحب من الرقعة ذاتها من الرصيف غير المستوي الذي اصطدمت به قدمه أو عجلة السكوتر أو دراجته. مرة أخرى.
كم مرة وقعنا في هذه الحفرة عينها؟ مائة؟ ألف؟
لست متأكدة مما سيقوله علم الأعصاب عن تذكر أطفالي المحدود للأخطار، لكن بما أننا بشر فنحن نبني خرائط ذهنية لجوارنا القريب. نحن نتتبع جغرافيتنا اليومية، سواء كانت تشمل غرفة واحدة أو أميالا عدة.
الرحلة إلى المقهى أو بوابة المدرسة أو المكتب أو محطة القطار. طريقي كل يوم هو 6400 خطوة مألوفة تماما - من منزلي، مرورا بالحضانة والمدرسة، عبر الجسر - وإلى مقر "فاينانشيال تايمز". بالكاد أفكر في الطريق. فقط أمشي.
لكن عائلتي ستنتقل من المنزل في وقت لاحق من هذا الصيف، وتلك الخطوات اليومية -حرفيا- معدودة.
من نواح كثيرة، هذا هو أكثر انتقال ممل وعادي ممكن، فهو على بعد بضعة أميال من الطريق نفسه. ما زلنا في لندن، مدينة القرى الشهيرة تلك، بتجاوز قريتين فقط. مساحة أكبر، مدارس جيدة، هذه هي أكثر الكليشيهات التي يمكن السخرية منها بسهولة التي مع ذلك تشكل القرارات التي ترسم حياة كثيرين.
ومع هذا، مثل كل الانتقالات التي تتعدى حدود "آخر الشارع"، هذا يمثل إعادة رسم كاملة لخريطة ذهنية وعاطفية. نقطة الصفر للعقول والقلوب.
أخبرني أخصائي طبي ذات مرة أن مرض الزهايمر في الأغلب ما يشخص لأول مرة بعد الانتقال من منزل. عندما تكون محاطا بعادات المنزل والروتين اليومي، فإن معظم ما تفعله يكون تلقائيا. أنت تعرف أين مفاتيحك، وأين يوجد صندوق البريد، وكيف تقصد الباب. أخرج أحدا من هذه الوتيرة ثم يمكن أن تنكشف أعراض التدهور العقلي انكشافا صارخا، ولم تعد مخفية تحت قناع الألفة.
حتى دون مرض منهك تصارعه، فإن الانتقال إلى بيئة جديدة يمكن أن يعيد توجيه دماغك. في مواجهة الجدة، يتم دفع القدرات المختلفة إلى أقصاها. ذكرت إحدى دراسات كلية لندن الجامعية المنشورة في المجلة الأكاديمية سيريبال كورتكس، أن منطقة القشرة خلف الجسم الثفني هي التي تعمل أثناء حركتك في مساحة مألوفة. لكن التنقل في أماكن جديدة يتطلب منك استخدام الحصين بدلا من ذلك.
خارج منطقة راحته، تواجه تكيفية عقلك تحديا - بطريقة جيدة. وكذلك تصوراتك السابقة. مثل كل سكان المدن الطيبين، فإن الحياة في واحدة من أعظم بوتقات الانصهار في العالم (حيث يتجانس مختلف الناس ويختلطون معا) لم تؤد إلا إلى توسيع الأفق الضيق. عدت جدتي الذهاب جنوب النهر خطيئة. لدي تحيزات جنونية مماثلة، من بين كل الأشياء، حول المستشفيات. ولدت في مستشفى سانت توماس. ولد أطفالي الثلاثة في سانت توماس. أي قسوة أرتكبها بحق دورة الحياة الأسرية التالية بنقلنا جميعا إلى منطقة مستشفاها المحلي ليس سانت توماس؟
لعل من المناسب أن تصف عبارتان لا علاقة لهما -حرفيا- بجنوب لندن بتاتا مشاعري تجاه هذه الحقبة الجديدة. طالما أحببت الكلمة الويلزية hiraeth - واحدة من تلك الكلمات الرائعة التي يستحيل ترجمتها غير أنها تصف شعورا تشعر به البشرية جميعا. وهي الشوق والحنين إلى مكان لم يعد موجودا. بمعنى آخر، الشعور الذي تشعر به طفلتي حاليا عندما تقول "أريد العودة إلى المنزل". هي لا تزال فيه، لكنها تعلم أن التغيير قادم.
ثم هناك التعبير الاسكتلندي القديم الشاعريcalf-grund ، "أرض العجل" (إشارة إلى الصبا). هذا مكان ولادتك وبدايات حياتك. المنطقة التي ولدت فيها والتي تبقى بصمتها، بغض النظر عن المكان الذي تذهب إليه بعد ذلك.
إن وصف أي شيء عن الأمومة في المراحل المبكرة بالبقر هو وصف خطير لكنه دقيق إلى أبعد حد. فهو رعي ذريتي الشبيهة بالعجل على دروب الحضانة التي رسخت عميقا في مساراتي العصبية.
منذ تسعة أعوام تقريبا، مشيت جزءا من هذا الطريق معظم الأيام. أولا مع طفل واحد، ثم اثنين، ثم ثلاثة، ثم جروا.
لقد جررنا عربات الأطفال والسكوتر البخاري وتعاملنا مع هستيريا عالية (مني، منهم، أيا ما شئت). وبالطبع، سقطت في الحفر.
هي أرض العجل لهم. هي جزء من خريطتي الذهنية. لقد عرفت هذه الشوارع حياتي بصفتي أما متوترة تهرع جيئة وذهابا في جنوب لندن، تلقائيا. ومع أني سأظل أما متوترة تهرع جيئة وذهابا في بعض الشوارع المختلفة في جنوب لندن، فإنها لم تغرس في ذهني بعد.