أموال الأسهم تهرب إلى السندات
يتبين من قراءة محضر لجنة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي تم نشره الأربعاء الماضي أن هناك اتفاقا تاما بين الأعضاء للعمل على خفض نسبة التضخم إلى نحو 2 في المائة، وتبين كذلك أن كثيرا من الأعضاء يعتقدون أن السيطرة على وتيرة التضخم ستكون صعبة. تبعا لذلك وغيرها من تطورات انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز إلى دون المتوسط السعري لـ50 يوما، ويعد ذلك من الدلائل المهمة للمحللين الفنيين على تغير المسار الصاعد للأسهم الأمريكية، فيما تراجع مؤشر الخوف والجشع من أعلى مستوياته قبل أسابيع إلى 45 نقطة حاليا، والتي تلامس بداية مستوى الخوف، ما يدل كذلك على تراجع شهية المستثمرين عن الأسهم.
تراجع الأسهم في الآونة الأخيرة يأتي متزامنا مع تراجع أسعار السندات وتلك ليست العلاقة المعتادة، لكون أسعار الأسهم وأسعار السندات تتحرك بشكل متعاكس، والسبب أن ارتفاع الأسهم في الأغلب يؤدي إلى خروج الأموال من السندات للظفر بالعوائد العالية المتوقعة للأسهم. وبما أن نزول أسعار السندات يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع عوائدها، فإن الظاهرة الطبيعية في نهاية المطاف أن ارتفاع العوائد يعني ارتفاع التضخم ورفع نسبة الفائدة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تراجع أسعار الأسهم، أي أن هناك دورة مالية تتكرر بين الأسهم والسندات.
العلاقة بين حركة الأسهم والسندات ليست دائما عكسية، ولكنها هكذا في معظم الأوقات، ولذا هذه الأيام تبدو مثيرة العلاقة الطردية بين الوسيلتين، ولا سيما أن توقعات كثير من الاقتصاديين أن التضخم مسيطر عليه، وأنه لن يكون هناك مزيد من رفع معدلات الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وبالتالي فالتساؤل الوجيه هنا ما سبب ارتفاع عوائد السندات إن كان التضخم بالفعل مسيطر عليه؟ من المعروف أن الاحتياطي الفيدرالي يرفع معدلات الفائدة لمقاومة تصاعد وتيرة التضخم، لذا من المفترض أن تتراجع عوائد السندات لا أن ترتفع كما هو مشاهد منذ عدة أسابيع، حيث نجد أن عائد السندات الحكومية العشرية أخذ في الارتفاع من 3.3 في المائة في مارس الماضي إلى أن تجاوزت 4.3 في المائة هذا الأسبوع.
الاستنتاج المباشر لتصاعد عوائد السندات المتوسطة والطويلة في الوقت الذي لا يزال منحنى عوائد السندات في حالة انعكاس حاد، حيث لا تزال عوائد السندات قصيرة المدى بحدود 5.5 في المائة، هو أن هناك مزيدا من ارتفاع معدلات الفائدة، ما يعني مزيدا من التضخم على العكس مما هو متوقع من قبل الأسواق. ولكن الإشكالية في انعكاس منحنى العوائد هو أن ذلك يعد من الأدلة القوية على الوقوع في حالة ركود اقتصادي، فهذا يعني كما هو معروف أن الركود الاقتصادي يستلزم خفض أسعار الفائدة، لا رفعها، فيبدو أن هناك خللا في تفسير التباين الظاهر بين ارتفاع عوائد السندات وتزايد احتمال الوقوع في ركود اقتصادي، ولكن من المعروف كذلك أن انعكاس منحنى العوائد قد يستمر فترة طويلة، فهو لا يعني حتمية الركود ولا قرب موعد حدوثه.
الأمر المؤكد أن هناك منافسة شرسة بين عوائد الأسهم وعوائد السندات، فكلما تجاوزت عوائد السندات العوائد الممكنة عن طريق الأسهم، فإن ذلك يؤدي إلى خروج الأموال من الأسهم والتوجه إلى وسائل أخرى كالسندات وغيرها من أصول تتحرك بشكل إيجابي مع ارتفاع معدلات الفائدة. في هذا السياق ينظر عادة إلى مكرر الربحية المعكوس وذلك من أجل معرفة مقدار ربحية الشركات، ومن ثم مقارنة ذلك بعوائد السندات، فمثلا يقف حاليا مكرر الربحية لشركات ستاندرد آند بورز 500 عند مستوى 23.5، وحين نقوم بعكس هذا الرقم نجد أن عائد الربحية 4.3 في المائة، وذلك أقل من العوائد الممكن تحقيقها في كثير من السندات، وقريب جدا لعائد السندات الحكومية العشرية.
لذا هناك إشكالية تواجه المستثمرين في الأسهم تتمثل أولا في صعوبة المحافظة على الارتفاعات العالية المتحققة لهذا العام، حيث حققت الأسهم ارتفاعات بمقدار 20 في المائة لمؤشر ستاندرد 500، ونسبة 45 في المائة لشركات ناسداك 100، من جهة أخرى ارتفاع عوائد السندات يرفع من مستوى العائد المطلوب على الأسهم، بسبب إمكانية تحقيق عوائد شبه خالية من المخاطرة عن طريق السندات. وفي الوقت نفسه نجد أن معدلات التضخم لا تزال عالية في دول أخرى وبسببها تم رفع معدلات الفائدة، حيث نجد آخر قراءة للتضخم في دول الاتحاد الأوروبي عند 6.1 في المائة، و 6.8 في المائة في المملكة المتحدة، ما يجعل البعض يشك في اقتراب نجاح مهمة السيطرة على التضخم.