هل تستحق الشهادة الجامعية العناء؟

هل تستحق الشهادة الجامعية العناء؟

حصلت إيدن هيث على مجموعة من أعلى الدرجات في مواد المستويات الممتازة وكانت رئيسة الفصل الدراسي في مدرسة جنوب شرق لندن حيث أنهت لتوها عامها الأخير. من المفترض أن يكون الالتحاق بالجامعة أمرا لا يحتاج إلى تفكير بالنسبة إليها. لكنها، مثل كثير من أصدقائها، تعتقد أنها مضيعة للمال وتخطط للالتحاق بها كملاذ أخير فقط.
قالت، "لقد أصبحت الجامعة خيارا احتياطيا لكثير من الناس. التلمذة الصناعية أمر شديد الشعبية، خاصة في مجموعة تلاميذ عامي الدراسي... إذ تخرج فيها دون أي ديون وبخبرة أكبر - وتتلقى أجرا".
لعقود من الزمان، كانت الشهادات الجامعية أمرا لا بد منه للوظائف المهنية للمبتدئين، لكن هناك دلائل على أن هذا يتغير حيث يفكر الطلاب في طرق أخرى لاكتساب المهارات ويقدم أصحاب العمل مسارات جديدة لمهن تنافسية.
في المملكة المتحدة، وجد معهد مستخدمي الطلاب أن حصة الأعضاء الذين يحتاجون إلى شهادة تعادل كلية مجتمع انخفضت من ثلاثة أرباع في 2014 إلى أقل من النصف في 2022.
ووجد تحليل منفصل بوساطة موقع توتال جوبز على شبكة الإنترنت أن 22 في المائة فقط من إعلانات المبتدئين في المملكة المتحدة ذكرت الحصول على شهادة جامعية هذا العام، بانخفاض قدره الثلث تقريبا منذ 2019. وزادت إعلانات الوظائف التي لا تتطلب شهادة جامعية 90 في المائة بين 2021 والعام الماضي، وفقا لموقع لينكد إن.
توقف أصحاب العمل المتنوعون مثل شركة كيلوجز في المملكة المتحدة لصناعة الحبوب وحكومة ولاية يوتا عن طلب مؤهلات على مستوى الشهادة الجامعية. وفي الوقت نفسه، استثمرت الشركات بما في ذلك أي بي إم وأكسنتشر في طرق التوظيف مثل التدريب المهني حتى يتمكن الموظفون الجدد من التدرب على الوظيفة.
أشاد أستاذ الإدارة جوزيف فولر، الذي يشارك في قيادة برنامج إدارة مستقبل العمل في كلية هارفارد للأعمال، بالشركات التي وسعت نطاق التوظيف ليشمل غير الحاصلين على الشهادة الجامعية، لكنه حذر من أن هذه ليست سوى خطوة أولى لن تغير سلوك مديري التوظيف.
وقال، "الحقيقة أنه بالنسبة إلى كثير من الشركات فإن هذا مجرد تلويح بالفضيلة. لكنني أعتقد أن إلغاء متطلبات الحصول على درجة علمية عمل ذكي والأمر المناسب للقيام به".

هل تراجعت قيمة الجامعة؟
قد يتحول التوظيف بعيدا عن الجامعات لكن الشركات تواصل دفع علاوة لخريجي الجامعات.
ففي الولايات المتحدة، ارتفعت "علاوة الحاصلين على مؤهل جامعي" هذه - زيادة الأجور التي يحصل عليها حملة الشهادات الجامعية - من 75 إلى 81 في المائة بين 2005 و2020، وفقا لتحليل صحيفة فاينانشال تايمز لأرقام مجموعة الدول الغنية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، لا يزال خريجو الجامعات يتقاضون أجورا تزيد بنحو 50 في المائة على الأشخاص الذين ليست لديهم درجة جامعية.
ورغم زيادة عدد الخريجين، إلا أن الأمر قد يقلل من قيمة الدرجة في سوق العمل. في الولايات المتحدة، كان 51 في المائة من الذين تراوح أعمارهم بين 25 و34 عاما من خريجي الجامعات في 2021، مقارنة بـ38 في المائة عام 2000، وفي المملكة المتحدة، تلقى 57 في المائة من الشباب تعليما جامعيا في 2021، ارتفاعا من 29 في المائة قبل عقدين.
قال ستيفن إيشروود، الرئيس التنفيذي لمعهد مشغلي الطلاب، إن علاوة الخريج قد استمرت لأن الوظائف أصبحت أكثر تعقيدا، وزادت الوظائف التي تتطلب مهارات على مستوى الدرجة الجامعية مع زيادة عدد الخريجين.
وأضاف، "أن تصبح ممرضا، وأن تتعامل مع التكنولوجيا وأن تقدم أنواعا مختلفة من الأدوية، يتطلب تعليما على مستوى الشهادة الجامعية. وينطبق الشيء نفسه على الوظائف الأخرى مثل التمويل الداخلي".
نمت نسبة الوظائف التي تتطلب مهارات عالية والتي تنطوي على مهام معقدة وتتطلب مستويات عالية من التعليم أو التدريب، في الاقتصادات المتقدمة لأكثر من ثلاثة عقود، وفقا لمنظمة العمل الدولية.
قال وينشاو جين، أستاذ مساعد في جامعة ساسكس، إن العدد المتزايد للوظائف التي تتطلب مهارات عالية كان مدفوعا بحد ذاته بزيادة عدد الأشخاص الحاصلين على الدرجات الجامعية، مضيفا، "لقد تكيفت البنية المهنية بالفعل لاستيعاب كل هؤلاء الخريجين الإضافيين مع تحول التحصيل التعليمي".

التوظيف من أجل المهارات، وليس التعليم
مع الزيادة في الوظائف التي تتطلب مهارات عالية، فإن المستوى التعليمي لنحو ثلث العمال في الولايات المتحدة وأكثر من خمسهم في بعض الاقتصادات الأوروبية الكبيرة يفوق مستوى وظائفهم، وفقا لمنظمة العمل الدولية. كثير من الخريجين عالقون في وظائف يمكن لغير الحاصلين على درجة علمية القيام بها.
ويمكن أن يعزى ذلك جزئيا إلى قيام أصحاب العمل بالإعلان عن وظائف تتطلب مهارات أقل على أنها تتطلب درجة علمية - حتى لو لم تكن كذلك في الواقع.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، طلب ثلثا وظائف مشرف الإنتاج الحصول على شهادة جامعية في 2015، رغم أن 16 في المائة فقط من الأشخاص الذين يشغلون هذه الوظيفة لديهم بالفعل درجة علمية، وفقا لدراسة أجرتها كلية هارفارد للأعمال. ووجدت أن هذا أدى إلى صعوبة ملء الوظائف، وارتفاع معدلات استقالة الموظفين وتوظيف غيرهم، وزيادة تكلفة التوظيف، ما أدى إلى نتائج أسوأ للشركات.
كان الخوف من عدم القدرة على العثور على وظيفة تتناسب مع مؤهلاتها أحد الأسباب التي تجعل هيث تأمل في اختيار تدريب مهني في مجال التسويق الرقمي على الجامعة. مع الرسوم الدراسية السنوية التي تزيد على تسعة آلاف جنيه استرليني، والتي يتم سدادها عبر اقتطاعات من الأجور مدى حياتها العملية، فإن التكلفة سبب آخر.
قالت، "يخيفني الأمر كثيرا. إذا حصلت على شهادة جامعية وعدت ولم يكن أحد مهتما بتوظيفي، أكون قد أهدرت أربعة أعوام وكل هذه الأموال".
هذا يعكس تحولا أوسع حيث يعتقد أقل من نصف البريطانيين أنه من المجدي أن يحصل الشاب على درجة علمية، وفقا لدراسة أجراها منظمو استطلاعات الرأي في شركة إبسوس في مايو الماضي.

استهداف غير الجامعيين
في بعض الدول، أدت قرارات السياسة إلى توظيف غير الجامعيين.
وتفرض ضريبة التلمذة الصناعية في المملكة المتحدة على أصحاب العمل إنفاق نسبة من أجورهم على التدريب. منذ أن بدأ العمل بهذا البرنامج في 2017، ارتفعت معدلات التوظيف المتطلب للمهارات العالية لغير الحاصلين على درجة تعليمية بنحو خمس نقاط مئوية.
فقد بدأت شركة أي بي إم في تعيين المتدربين عام 2010 كجزء من التوسع الأكبر في توظيف غير الخريجين. قالت الشركة إن الدرجات الجامعية مطلوبة لـ12 في المائة فقط من الوظائف المعلن عنها في المملكة المتحدة، وأقل من نصف تلك في الولايات المتحدة.
قالت جيني تيلور، قائدة البرنامج المهني الأول في شركة أي بي إم، إنه بدا في البداية "نوعا من المخاطرة" أن توظف شخصا يبلغ من العمر 18 عاما في وظائف ذات تعامل مباشر مع العملاء، لكن الموظفين "أثبتوا لنا مرارا وتكرارا أنهم قادرون على القيام بذلك بشكل صحيح منذ البداية".
وأشارت إلى أنه بحلول أوائل العشرينيات من العمر كان المتدربون قد تلقوا بالفعل عدة أعوام من التدريب على رأس العمل، ما جعلهم في مقدمة الموظفين الحاصلين على درجة جامعية، كما أن لديهم أفضل مكان تدريب لتطوير مهارات فنية "أعمق"، مثل الذكاء الاصطناعي والكم.
تنظر بعض الشركات إلى غير الحاصلين على درجة تعليمية كأمر أساسي في جهود الدمج والشمول. على سبيل المثال، أسقطت شركة بنجوين راندوم هاوس يو كيه متطلبات الحصول على درجة جامعية عام 2016، وقالت إن قوتها العاملة قد تنوعت نتيجة لذلك.
وقالت كلير توماس، مديرة التطوير التنظيمي في الشركة، "أردنا إزالة الحواجز التي كانت تعيق الأشخاص الذين يتمتعون بالمهارات وإمكانية تحقيق النجاح".

مهارات من أجل المستقبل
يمكن أن يؤدي التغيير السريع في الطلب على المهارات إلى زيادة الحاجة للحصول على الشهادات الجامعية، حيث نحو ربع الوظائف ستتضرر في الأعوام الخمسة المقبلة، وفقا لأصحاب العمل الذين شملهم استطلاع المنتدى الاقتصادي العالمي.
الوظائف التي تتطلب مهارات أقل الأكثر عرضة للخطر، لكنها تتوقع أن تزداد أهمية المهارات القابلة للتعلم مثل التفكير الإبداعي والتحليلي.
قال فولر، الأستاذ في جامعة هارفارد، إن هذه المهارات وغيرها مثل الذكاء الاجتماعي أو حل المشكلات المعقدة، يتم شحذها جميعا عن طريق التعليم الجامعي.
في تقرير صدر هذا الشهر، تنبأت يونيفيرسيتيز يو كيه، التي تمثل مؤسسات التعليم العالي، بأن 88 من الوظائف الجديدة ستكون في مستوى الخريجين بحلول 2035. وأوضحت أن الجامعات "تلعب دورا كبيرا ليس فقط في تجهيز الخريجين للوظائف، بل في تعليمهم مهارات حياتية مهمة وقابلة للنقل" وتنمية الاقتصاد.
لكن فولر يرى أن التكنولوجيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي قد تكون "محددة للمستوى"، ما يساعد غير الخريجين للتغلب على أوجه القصور في المهارات كالكتابة حيث كان أداؤهم فيها ضعيفا عبر التاريخ.
كما يمكنها تمكين أصحاب العمل من فحص المرشحين بطرق أكثر تنوعا، ما يقلل الاعتماد على الدرجات العلمية.
وقال فولر، "من الصعب على أصحاب العمل تأهيل الموظفين، لذا عادة ما يلجأون إلى الدلالات كالشهادات الجامعية"، مضيفا، "قد تفتح التكنولوجيا فرصا أكثر لغير الخريجين الجامعيين، كما ستعالج صعوبة فهم ما فعله شخص ما وأهميته".

الأكثر قراءة