العصر الذهبي للسفر الفاخر .. هل يعود بعد قرن؟
في وقت لاحق من هذا العام، سيبدأ مئات الحرفيين في ساحات السكك الحديدية بالقرب من فلورنسا وميلانو العمل على ترميم 17 عربة أصلية من قطار الشرق السريع (أورينت إكسبريس)، التي كانت تمثل ذروة السفر المترف عندما دخلت الخدمة لأول مرة منذ نحو قرن.
فبدءا من نوفمبر، سيتمكن المسافرون الأثرياء من حجز الأماكن على متن القطار، الذي خلده لغز جريمة القتل في قصة أجاثا كريستي الصادرة 1934، وذلك في رحلته الأولى على طول طريق السكة التاريخي بين مدينتي باريس وإسطنبول منذ أكثر من ثلاثة عقود. ومن المقرر أن تكلف الأجنحة التي من المقرر أن تبدأ العمل في 2026، ما بين ثلاثة آلاف وستة آلاف يورو لليلة الواحدة.
ويعد إحياء قطار الشرق السريع - الذي تشرف عليه الشركة الفرنسية الأم أكور - جزءا من تغيير جذري لتكتلات الفنادق بتوجهها نحو أنواع السفر الأكثر ندرة مثل رحلات السكك الحديدية والرحلات البحرية، ورهانها على الطلب القوي على الترف وجاذبية برامج الولاء للعملاء ذوي الملاءة المالية العالية.
ومن المتوقع أن تنمو سوق السفر المترف العالمية 45 في المائة على مدى الأعوام الخمسة المقبلة لتصل إلى تريليوني دولار، وفقا لأبحاث السوق التي استشهدت بها شركة ديلويت للاستشارات في تقرير صدر حديثا.
وتعافى سفر الفخامة من الجائحة بشكل أسرع مقارنة بالسفر في السوق المتوسطة، حيث تسبب التباطؤ الاقتصادي بإعاقة إنفاق الطبقة المتوسطة، وفقا للمحللين.
ويخطط نحو 58 في المائة من فائقين الثراء إلى أولئك الذين يتقاضون رواتب تزيد على 120 ألف جنيه استرليني لإنفاق مزيد من الأموال على السفر الدولي خلال الأشهر الـ12 المقبلة أكثر مما أنفقوا في 2019، مقارنة بمتوسط نسبته 36 في المائة من المسافرين من جميع فئات الرواتب، وفقا لمسح أجرته شركة أماديوس لتكنولوجيا السفر شمل 4500 شخص.
وأعلنت شركتا أمان وفور سيزونز المشغلتان للمنتجعات الفندقية الفاخرة عن مواعيد إطلاق سفن الرحلات البحرية الفاخرة الخاصة بها. وفي أكتوبر من العام الماضي، أقلعت سفينة فاخرة تعود ملكيتها إلى علامة ماريوت التجارية ريتز كارلتون في رحلتها الأولى، وستبحر سفينتان أخريان بحلول 2025.
ويرى سكوت روزنبرجر، الشريك المتخصص في السفر والضيافة في شركة ديلويت، أن سوق السفر الفاخرة "ما زالت تبدو مواتية للغاية"، وقال، "جهزها، وسيأتون. (أي الباحثون عن الرفاهية)".
وبتمويل استثماري قارب المليار دولار من شركة أكور ومن شركائها بجزء كبير، يخطط قطار الشرق السريع لإطلاق ثمانية قطارات أخرى في إيطاليا والسعودية والإمارات، بالتعاون مع مجموعة أرسينيل الإيطالية للضيافة الفاخرة، كما أنها تقوم ببناء أكبر سفينة شراعية في العالم "سايلنسيز"، حيث ستبلغ تكلفة الكبائن ما يصل إلى 20 ألف يورو لكل رحلة.
ويقول سيباستيان بازين، الرئيس التنفيذي لشركة أكور، إن نحو 3 في المائة من عملاء أكور البالغ عددهم 300 مليون عميل كل عام "فائقو الثراء"، وهو ما يوجد فرصة كبيرة. وقال، "هذا ما يقرب من تسعة ملايين عميل وأنا بحاجة إلى 110 [أشخاص على متن السفينة]". ويتوقع أنه لمدة ثلث العام، سيتم تأجير اليخت الذي تبلغ مساحته 720 قدما مربعا وأجنحته البالغ عددها 56 جناحا للاستخدام الخاص.
وأضاف بازين، "على مدار 40 عاما، كانت لدينا رغبة واحدة فقط - وهي اختطاف [العميل] لأطول فترة ممكنة في مرافق الفندق للتأكد من أنه يتناول الإفطار والغداء والعشاء والكوكتيلات". لكنه أضاف أن أكور تهدف الآن إلى "أن تكون منظمة، وإذا لزم الأمر ستصبح مالكة ومشغلة، لتلك الأنشطة عندما يخرج العميل من أبنيتنا".
كما يعد تقديم التجارب الأكثر تنوعا وسيلة تستخدمها مجموعات الفنادق لإبقاء عملائها الأكثر ثراء مرتبطين ببرامج الولاء. وأوضح كلايتون ريد، الرئيس التنفيذي لوكالة تسويق الضيافة إم إم جي وأي جلوبال، أن مشاريع الرحلات البحرية الفاخرة "لعبة ولاء لتسويق العلامة التجارية أكثر من كونها لعبة إيرادات".
وأشار أمير إيلون، الرئيس التنفيذي لشركة لونغوودز إنترناشونال لاستشارات السفر، إلى أن التحول إلى الرحلات البحرية كان "طريقتهم للتشبث بمسافري الترف".
وكان نحو نصف الركاب البالغين 300 راكب تقريبا في الرحلة الأولى على يخت إفريما الفاخر المملوك لشركة ريتز كارلتون العام الماضي، أعضاء في برنامج "بونفوي" للولاء الذي تقدمه شركة ماريوت، وهو من أكبر البرامج في العالم.
وأوضح جيم مورين، الرئيس التنفيذي لمجموعة اليخوت التابعة لريتز كارلتون، أن الرحلات قدمت لأعضاء برنامج بونفوي "فرصة استثنائية أخرى لكسب النقاط واستبدالها"، مشيرا إلى أن الركاب على متن اليخوت كانوا أصغر بعشرة أعوام من الركاب النموذجيين على اليخوت الفاخرة.
وقال مورين، "الاهتمام المتزايد من قبل مختلف مشغلي الفنادق في فئة الرحلات البحرية فائقة الفخامة" يؤكد على "الطلب المتزايد" على مزيد من السفر الراقي والأكثر تخصيصا.
لكن دخول صناعة الرحلات البحرية لا يخلو من المخاطر، حيث تم إطلاق أول سفينة تابعة لشركة ريتز كارلتون بعد عامين ونصف العام من الموعد المخطط له بسبب التأخيرات الناجمة عن الجائحة في حوض بناء السفن.
وقال روزنبرجر، "بينما أثبتت أنها مربحة تماما... إلا أن هناك عديدا من الكوارث التي رأيتها في الأعوام الماضية حيث جنحت سفينة قبالة سواحل إيطاليا. هذه مخاطرة كبيرة، عليك بالتأكيد أن تكون متمكنا من لعبتك من جميع النواحي".
وقدمت مجموعة بيلموند للفنادق الفاخرة والمملوكة لشركة إل في إم إتش نموذجا يحاول عديد من منافسيها الكبار تقليده، وفقا لرئيسها التنفيذي دان راف.
وكانت الشركة التي أسست باسم مجموعة فنادق أورينت إكسبريس قبل إعادة تسميتها في 2014، قد بدأت في تقديم رحلات على قطارات النوم الفاخرة والرحلات النهرية بعد وقت قصير من إنشائها في 1976.
وأضاف راف، "لقد كنا روادا في هذا النوع من الأعمال. إن مجموعات الفنادق الكبيرة ترى ما كنا نفعله كفرصة لها".
وستطلق مجموعة بيلموند نفسها رحلة ليلية جديدة إلى جبال الألب الفرنسية على متن قطار فينيس سيمبلون أوريانت إكسبرس في الشتاء المقبل، وطريقا جديدا عبر سنغافورة وماليزيا وتايلاند العام المقبل، وتبدأ كلتا الرحلتين بسعر ثلاثة آلاف دولار تقريبا.
وتم تخفيض سعة الركاب على سفنها، حيث قال راف، "ما قمنا به خلال العامين الماضيين بناء أجنحة أكبر وأكبر. إن تقليل عدد الركاب يرفع من مستوى تجربة الضيوف، ويجعلها حميمية أكثر".
لكن مانفريدي ليفيبفري دي أوفيديو، وهو خبير مخضرم في الصناعة ويشرف على إعادة إطلاق خط كريستال كروز للرحلات البحرية الفاخرة، قال إن دفع مجموعات الفنادق نحو القطاع من غير المرجح أن يكون منافسة كبيرة للمشغلين التقليديين، الذين ينقلون ما يزيد قليلا على مليون من ركاب الرفاهية سنويا.
وقال، "لا أعتقد أن ذلك يعد تهديدا. فكل هذه العلامات التجارية للفنادق لا تصل مستوى الرفاهية، بل تصل إلى مستوى الفخامة الفائقة".
إن الاختبار بالنسبة إلى أصحاب الفنادق هو ما إذا كانت الخطوة ستؤتي ثمارها حتى مع ارتفاع الأسعار. وحذر روزنبرجر من أن "هناك عددا محدودا من الأشخاص الذين سيقومون بالتسجيل".
لكن بازين من شركة أكور جادل بأن الدليل على جاذبية سفر الفخامة بالقطارات أو اليخوت يمكن رؤيتها عبر التاريخ. فقد تم العثور على العربات الأصلية مهجورة على خطوط السكك الحديدية على الحدود البولندية البيلاروسية في 2015. وأضاف، "نحن نقوم بشيء جريء لم يتم تقديمه من قبل إلا بشكل غريب قبل 100 عام... نحن نستعيد العصر الذهبي للسفر الفاخر".