هل تخشى النساء التضخم أكثر من الرجال؟

هل تخشى النساء التضخم أكثر من الرجال؟

منذ عقد تقريبا، فحص الاقتصاديون فرانشيسكو دكونتو وأولريك مالميندير ومايكل ويبر الردود التي قدمها 18 ألف أمريكي في استطلاع التوقعات والمواقف في شيكاغو بوث.
الدراسة، التي أجرتها كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو، تتبعت مواقف المستهلكين تجاه الاقتصاد وأظهرت أنه، بالقياس إجمالا، توقعت النساء في المتوسط نمو 5.1 في المائة مستقبليا للأسعار، في حين توقع الرجال تضخم 4.6 في المائة "فقط".
مالت النساء إلى بناء توقعاتهن على التسوق من البقالة، فعندما سئلن عن العنصر الذي تتبعنه بدقة، كان اختيارهن الأول هو الحليب.
على النقيض، كان الرجال يراقبون أسعار البنزين، لأنهم يتسوقون بمعدل أقل بكثير في المتوسط. في العائلات التي يتسوق فيها الرجال بقدر متساو، وجد أن توقعات التضخم للرجال والنساء أكثر تشابها. خلصت المجموعة إلى أن "الأدوار التقليدية للجنسين (...) تعرض النساء لإشارات مختلفة عن الأسعار مقارنة بالرجال"، مشيرين إلى أن ذلك ولد "معتقدات متباينة حول التضخم في المستقبل".
ومع أن فجوة تقل عن نقطة مئوية واحدة لا تبدو هائلة، إلا أنها أكثر إثارة للدهشة عندما تعلم أنه في وقت الدراسة، 2015، كان التضخم الفعلي في الولايات المتحدة أدنى من 2 في المائة.
بالطبع، نحن جميعنا أبناء بيئاتنا الخاصة. لكن يبدو أن التمييز أعلاه جدير بالملاحظة مرة أخرى الآن، أثناء سعي البنوك المركزية جاهدة إلى كبح الأسعار المتصاعدة. فبعد كل شيء، إذا رأى المستهلكون أن نمو الأسعار سيظل مرتفعا، فربما يطالبون بأجور أعلى، ما يؤدي إلى دوامة تضخمية محتملة، لكن إذا كانوا واثقين من إمكانية ضبط الأسعار، فسيكون الأمر أسهل على محافظي البنوك المركزية. لذا من المهم أكثر من أي وقت مضى فهم ما يحدث داخل عقول المستهلكين أثناء توقعهم للأسعار المستقبلية.
إنها مهمة صعبة. في العقود الماضية، اعتادت النظرية الاقتصادية للسوق الحرة على افتراض أن الاقتصادات شكلها "رجل عقلاني" (كذا) - الاسم الذي يطلق على فاعل اقتصادي رؤيته للمستقبل واضحة لمصلحته الذاتية. وكما أشار علماء الاقتصاد السلوكي منذ فترة طويلة، فإن البشر ليسوا عقلانيين تماما أبدا، من ناحية كونهم ثابتين ومحايدين في آرائهم.
فجوة التضخم بين الجنسين مثال على ذلك، لكنها ليست المثال الوحيد.
خذ مثلا استطلاع رأي المستهلكين الذي أجرته جامعة ميتشيجان حول توقعات التضخم، الذي يمكن القول إنه أفضل مثال في أمريكا. يشير هذا الاستطلاع إلى أن توقعات التضخم لخمسة أعوام قد انخفضت أخيرا من 3 في المائة إلى 2.9 في المائة. يبدو هذا مشجعا، وعده اقتصاديون، مثل ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، علامة على أن التوقعات لا تزال "مترسخة جيدا" - بمعنى "منخفضة".
لكن، حسبما أشار المحلل الاستثماري جيم بيانكو، الشيء الغريب في هذا الاستطلاع هو أن المستهلكين لم يغيروا توقعاتهم العام الماضي، حتى مع ارتفاع الأسعار. قد يكون ذلك بسبب أن الاحتياطي الفيدرالي موضع ثقة، كما يجادل كلاريدا، لكن قد يكون أيضا لأن المستهلكين يخبرون المستطلعين ببساطة بما يعتقدون أنهم يريدون سماعه. غرد بيانكو: "الاستطلاع هراء تام".
يتمثل تفسير محتمل آخر في أن تركيز المستهلكين على البيانات الاقتصادية متقلب. في الآونة الأخيرة، تعاون عشرات الاقتصاديين في الولايات المتحدة في سلسلة ضخمة من الدراسات العشوائية المضبوطة لاستكشاف مسألة "اهتمام" المستهلك بالمعلومات. ومع أن عامل "الاهتمام" يتم تجاهله عادة، يشير البحث إلى أنه مهم للغاية. يجادل بحثهم، " أخبرني شيئا لا أعرفه مسبقا: التعلم في أوضاع التضخم المنخفضة والمرتفعة"، أنه منذ أن بدأ التضخم في الارتفاع مرة أخرى في الاقتصادات المتقدمة، "أصبحت الأسر والشركات أكثر اهتماما واطلاعا على التضخم". من المفارقة أن هذا جعلهم يتفاعلون بدرجة أقل مع البيانات الحديثة من تفاعلهم معها في الفترات المستتبة.
أظهرت دراسة منفصلة أجراها الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس أنه عندما يواجه المستثمرون "عهدي ناتج محلي إجمالي وتضخم غير طبيعيين"، فإنهم يولون اهتماما أكبر لخطابات مسؤولي البنوك المركزية، حتى بين اجتماعات السياسة النقدية.
من جهة أخرى، يجادل مشروع آخر حديث من ثلاثة خبراء اقتصاديين، يوري جورودنيشينكو ورافي ميلنيك وآري كوتاي، بأن الشركات التي تواجه صدمة تضخم تميل إلى رفع توقعات التضخم للعام المقبل - حتى عندما تبدو البيانات المستقبلية الأخرى حميدة.
بعبارة أخرى، إن كيفية تصور المستهلكين للمستقبل لا تتشكل فقط من ماضيهم القريب، بل أيضا من مدى تركيزهم على القضية التي هم فيها في المقام الأول. كل هذا يجعل مهام البنوك المركزية صعبة بشكل مضاعف في الأشهر المقبلة. لذا، مع تحذير بنك إنجلترا من أن أسعار التسوق في البقالة يحتمل أن تظل أعلى من 10 في المائة في المملكة المتحدة حتى مع انخفاض معدلات التضخم الأخرى، ينبغي أن تركز كل الأنظار على سعر الحليب.

الأكثر قراءة