المالية الإسلامية في المملكة .. مستقبل واعد
في كلمة ألقاها أيمن السياري محافظ البنك المركزي السعودي تحدث فيها خلال افتتاحية الندوة الخاصة بمجلس الخدمات المالية الإسلامية المنعقد في الرياض في الفترة بين 14 و16 من شهر أغسطس لعام 2023 تحدث فيها عن النمو الذي حققته المالية الإسلامية بنسبة قاربت 10 في المائة رغم التحديات التي كانت تواجه الاقتصاد العالمي نتيجة لأزمة وباء كوفيد - 19، والمتغيرات التي تلت هذه الأزمة خصوصا التضخم الذي أصبح تهديدا للاقتصاد العالمي نتج عنه رفع كبير في أسعار الفائدة لمستويات تجاوزت 5 في المائة لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وما زالت التحديات قائمة في الاقتصاد العالمي الذي تعد المالية الإسلامية جزءا لا يتجزأ منه.
الحراك الكبير في المملكة كان له تأثير في نمو المالية الإسلامية بصورة عامة، حيث تم إصدار مجموعة من الصكوك الحكومية، والصكوك الإسلامية واحدة من أهم الأدوات المالية التي تعزز مصادر التمويل لدى الحكومات والشركات والبنوك على حد سواء، وعزز ذلك من تدفق الاستثمارات بصورة كبيرة إلى الاقتصاد في المملكة خصوصا الاستثمارات التي تبحث عن أدوات منخفضة المخاطر بتصنيف ائتماني عال، كما أن حجم المصرفية الإسلامية -التي تعد جزءا من المالية الإسلامية- يمثل حجمها في المملكة الثلث تقريبا، وهي جزء من أصول المالية الإسلامية التي تبلغ تقريبا أكثر من ثلاثة تريليونات ريال، وهذا بلا شك يجعل المملكة الوجهة الأضخم والأهم والمركز الرئيس للمالية الإسلامية الذي لا يزال ينمو في ظل رؤية 2030 التي اعتنت بتنويع مصادر الدخل من مختلف القنوات بما في ذلك القطاع المالي.
قطاع التأمين التعاوني الذي يعد جزءا مهما ضمن قطاعات المالية الإسلامية يحظى باهتمام كبير في المملكة، حيث إن النظام الأساسي للتأمين في المملكة قائم على التأمين التعاوني، وحجم النمو في هذا القطاع بلغ 27 في المائة خلال 2022 بحسب ما ذكره محافظ البنك المركزي في كلمته، وما زالت الفرصة كبيرة لهذا القطاع ليحقق نموا كبيرا في الفترة المقبلة باعتبار أن قطاع التأمين مهم جدا للاقتصاد وله علاقة بمختلف الأنشطة الاقتصادية بشكل مباشر أو غير مباشر، ونظرا لنضج قطاع التأمين التعاوني وعلاقته بالأنشطة الاقتصادية الخاصة بالتمويل الإسلامي ومكونات الاقتصاد الإسلامي بصورة عامة فإنه من المتوقع أن ينمو كذلك بوتيرة تتناسب مع حجم الطلب مستقبلا على التمويل الإسلامي، وهذا ما يجعل الفرصة كبيرة لنمو قطاع التأمين التعاوني في المملكة وبالتالي تكون حصة المملكة من التأمين التعاوني كبيرة على غرار قطاع المصرفية الإسلامية.
المالية الإسلامية في المملكة لم تقتصر على المؤسسات الكبرى مثل البنوك وشركات التأمين ولا إصدارات الصكوك، بل إن السوق المالية في المملكة أصبحت أحد أهم روافد وركائز المالية الإسلامية، حيث نجد أن الشركات الاستثمارية في المملكة تقدم خدمات كثيرة لها علاقة بالمالية الإسلامية، وذلك مثل الصناديق الاستثمارية سواء بالاستثمار في الأدوات منخفضة المخاطر مثل المرابحات أو عالية المخاطر مثل الاستثمار في الأسهم أو حتى الاستثمار في الصناديق العقارية وغيرها، وهذا النوع من الخدمات يستقطب كثيرا من الأموال، كما أن السوق المالية رخصت لكثير من المنصات التي تقدم خدمات التمويل الجماعي بحيث تستخدم هذه المنصات خيارات للتمويل متوافقة مع الشريعة ما يجعلها أيضا واحدة من التطورات التي تعزز مركز المملكة في خريطة المالية الإسلامية.
هذه التطورات الكبيرة في مجالات المالية الإسلامية في المملكة تجعل منها الخيار الأول للاستثمارات المتوافقة مع الشريعة، كما أن التجربة في المملكة جعلت منها مرجعا في منظومة العمل فيما يتعلق بالمالية الإسلامية، حيث طورت وحدثت التشريعات الخاصة بعمل المؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى التنوع في حجم المنتجات وعدد المؤسسات التي تعمل في هذا المجال.
الخلاصة أن التطورات الكبيرة في مجال المالية الإسلامية وقدرتها على النمو في أصعب الظروف بنسب قاربت 10 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الماضية لها دلالات على قدرة عالية لدى المؤسسات المالية الإسلامية في مواجهة الأزمات، وخلال الفترة التي عملت فيها المملكة على تنويع مصادر الدخل وفق رؤية المملكة 2030 دعمت نمو حجم التمويل الإسلامي خصوصا من خلال إصدارات الصكوك، وتنوع الأدوات التي تقدم المنتجات المتوافقة مع الشريعة من خلال تطوير التشريعات والحوافز وتسهيل عمل مجموعة من المؤسسات التي تقدم خدمات المالية الإسلامية.