رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


حقيقة اقتصادية .. لا ملاذ آمن

هل يمكن القول: إن زمن الأوراق المالية الخالية من المخاطر قد ولى، فالمخاطر التي تحيط بها كانت تتعلق بقضايا مثل تخلف المصدر للأوراق المالية "أسهم أو سندات" عن سداد العوائد، وكانت الديون الحكومية في بريطانيا والولايات المتحدة وعديد من الدول الصناعية الكبرى ذات التصنيف الائتماني المرتفع، من نوعية السندات التي تخلو من المخاطر بشأن عدم القدرة على السداد، لكن هذا لم يكن يمنعها من التعرض للخطر الثاني عندما يكون سعر السوق منخفضا في الوقت الذي يتعين فيه بيع ورقة مالية.
والملاحظ أن هذا الثاني من المخاطر العالية بالنسبة إلى الأوراق المالية التي لها تاريخ الاستحقاق بعيد، وتتزايد مشكلة المخاطر مع السندات كلما كان هناك عدم يقين بشأن التضخم ويبقى المصدر الثالث للمخاطر من أسعار العملات، ونظرا إلى قوة الدولار عموما في سوق العملات فعادة ما ينظر إلى سندات الخزانة الأمريكية على أنها خالية من المخاطر، لأن حاملها في نهاية المطاف سيشتري سلعا مقومة بالدولار.
وإذا كانت هذه المصادر الأساسية لتحديد الأوراق المالية الخالية من المخاطر، فإن ما يحدث اليوم في سوق الدين عموما والارتفاعات القياسية والسريعة في التضخم وأسعار الفائدة، يجعل من الصعب أن تكون هناك ورقة مالية خالية من المخاطر حتى لو كانت سندات الخزانة الأمريكية، فالعائد على هذه السندات في 2022 كان ناقصا 17.8 في المائة مقارنة بناقص 18.0 في المائة على الأسهم في مؤشر إس آند بي 500.
وهذا يدل على أنها في مكان ما في المحافظ بما يتناسب تماما مع الأسهم، ويبقى مصدر التميز عن الأسهم في أنها تحتل أولوية أعلى عند التصفية. لكن الحقيقة الواضحة اليوم هي أن السندات والأسهم أصلان محفوفان بالمخاطر، باختلافات بسيطة.
لكن، ما الأسباب التي أوصلت الحال لما هي عليه اليوم؟
يأتي خفض وكالات التصنيف الائتماني سواء للسندات أو للاقتصاد الكلي الأمريكي كأحد أبرز الأسباب في انخفاض قيمة السندات الأمريكية.
تركز قرارات وكالات التصنيف الائتماني مثل تلك التي أصدرتها وكالة فيتش مثلا على فهم قدرة الدولة على سداد ديونها المتزايدة، وكما حدث في أزمة الميزانية الأمريكية حيث تتجاوز مصروفات الحكومة الفيدرالية إيراداتها، ما يعني استمرار العجز مع ديون بعشرات التريليونات من الدولارات، وإذا كان خفض التصنيف الائتماني درجة واحدة لا يعني بالضرورة الاعتقاد بأن الولايات المتحدة قد أصبحت أقل احتمالية لسداد ديونها، لكن من المؤكد أن هذا الخفض الائتماني يفتح المجال للمستثمرين للمطالبة بمعدل فائدة أعلى للقروض، وبهذا ترتفع مصروفات خدمة الدين وتتزايد مشكلة عجز الميزانية، فالمشكلة الحالية ليست في عدم القدرة على السداد، بل في حتمية رفع أسعار الفائدة، وهذا يعني من ناحية اقتصادية بأن العوائد تتآكل من ناحية قيمتها، ما يجعل قيمة السند تنخفض أكثر، وهذا يؤثر في رغبة المستثمرين في الاحتفاظ بالسندات ومع موجة الهروب قد تنخفض السندات أكثر من القيمة الحقيقة لها، وهذه الحقيقة تجد صداها في قرارات سحب رأس المال الياباني من الولايات المتحدة، وفقا لتقرير نشرته "الاقتصادية".
لعل من الأسباب الكامنة خلف تراجع أسعار السندات هو حقيقة أن العالم يتحرك من عصر الوفرة إلى مرحلة الندرة، فهناك كثير ممن يدعون بأن المخزون البيولوجي للأرض قد بدأ في التناقص ولن يكفي البشر عند حالة الإنتاج الحالية، وهذا يعني مشكلات دائمة فيما يتعلق بنمو التجارة والناتج الإجمالي المحلي، ما يؤكد ضعف الدول عموما في شأن قدرتها على سداد ديونها، ما يعزز المخاطر باستمرار الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية لوقت أطول مما يتوقعه معظم الناس الآن.
من القضايا ذات الصلة بمخاطر السندات ما قدرته المؤسسة الأمريكية الفيدرالية لتأمين الودائع حول الخسائر غير المحققة على أسهم البنوك الأمريكية التي بلغت 515.5 مليار دولار في مارس الماضي، أي ما يعادل 23 في المائة من رأسمال البنوك ومع اقتراب كارثة في العقارات التجارية التي من المتوقع أن تقود لتكرار مشكلة الرهن العقاري، ما يعني احتمالية وجود أثر بالغ في البنوك المركزية لارتفاع عوائد السندات نتيجة برامجها لشراء الأصول، ففي 31 مارس بلغت الخسائر المحسوبة بالقيمة السوقية على حيازات الاحتياطي الفيدرالي من الأوراق المالية 911 مليار دولار. يقارب هذا 22 ضعف رأسماله البالغ 42 مليار دولار.
إن هذه الحقائق الاقتصادية مجتمعة جعلت السندات اليوم في وضع لا يختلف عن أي استثمار آخر، فالكل اليوم يتعرض للمستوى نفسه من المخاطر، ولم يعد آمنا بالقدر الذي يمكن وصفه بأنه ملاذ، بل لم تعد هناك ملاذات حقيقة ذات عوائد مضمونة، كما لم تعد أيضا هناك أوراق مالية بلا مخاطر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي