على طرفي نقيض .. مكونا السياسة الصناعية الأمريكية بحاجة إلى تعديل
تسعى السياسة الاقتصادية اليوم إلى معالجة مجموعة من التحديات الشائكة – وقف التضخم، ودعم سلاسل التوريد، وإيجاد فرص عمل إلى جانب تحفيز الابتكار، ومكافحة تغير المناخ، وتعزيز الأمن القومي، والاستعداد لمجموعة من الأزمات والصدمات المستقبلية.
في الولايات المتحدة، يتركز صندوق الأدوات الناشئ لمعالجة هذه القضايا المتنوعة حول "السياسة الصناعية"، مع مكونين رئيسين.
الأول، الاستثمار العام للمساعدة على جعل الاقتصاد أكثر صداقة للبيئة وأكثر شمولية.
والثاني، إحياء سياسة "باي أمريكان" (شراء المنتجات الأمريكية) التي تتضمن بنود التمويل، فضلا عن سياسات التجارة والهجرة التي تقع في مصلحة الشركات والعمال الأمريكيين وتقلل من تدفق البضائع الأجنبية والأشخاص الأجانب عبر الحدود.
بينما تحاكي بعض البلدان هذا النهج بالفعل، فإن فاعليته غير مؤكدة، وقد يؤدي إلى تفاقم بعض المشكلات، أو يوجد صعوبات جديدة في هذه العملية.
خذ في الحسبان تجربتنا مع العولمة. لأعوام عديدة، عارض اقتصاديون فكرة أنها ستسهم في زيادة عدم المساواة في الاقتصادات المتقدمة. لكن الآن، آثار عقود من العولمة السريعة أصبحت أكثر وضوحا.
لقد قللت بشكل كبير من عدم المساواة بين البلدان وانتشلت مليارات الناس حول العالم من الفقر. وبالمثل، أدت التجارة الحرة وزيادة التصنيع العالمي إلى خفض الأسعار وزيادة التنوع لدى المستهلكين. لكن داخل البلدان الغنية، أسهمت العولمة في التدهور الصناعي وعدم المساواة الإقليمية. لم تصل الأرباح المرتفعة إلى العمال والمستهلكين بقدر ما كان متوقعا، ما أدى إلى ركود الأجور واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
يجادل مؤيدو السياسة الصناعية الأمريكية الناشئة بأن كلا من الاستثمار العام وسياسية "باي أمريكان" سيساعدان على التخفيف من هذه الآثار الضارة وسيمكنان العامل الأمريكي. لسوء الحظ، في منطقهم بعض الحقيقة فقط.
الاستثمار العام يستحق المحاولة بلا شك. بالطبع، هناك حاجة إلى تصميم دقيق وجرعة صحية من الحذر. لكن الأمر يستحق العناء ببساطة لأن المحاولات السابقة لتصحيح الآثار السلبية للعولمة قد باءت بالفشل. كان لأبرزها – مساعدة التكيف التجاري للعمال الأمريكيين المتضررين من الاستثمار الخارجي –نتائج مخيبة للآمال وتم إلغاؤها في النهاية.
علاوة على ذلك، يريد الناس أكثر من مجرد مساعدة في الدخل، إذ يهتمون بالوظائف الجيدة، بكرامة وتقدم وظيفي.
تتمثل المشكلة الواضحة في الاستثمار العام الذي يركز على الصناعة في عدم القدرة على التنبؤ به. إنه ينجح أحيانا – انظر إلى شركة إيرباص، مثلا، أو دعم كوريا وتايوان لأشباه الموصلات. لكنه يفشل في بعض الأحيان، كما كان الحال مع حملة جريت ليب فورورد (قفزة عظيمة إلى الأمام) في الصين تحت قيادة ماو تسي دونج. يمكن أن تكون منحنيات التعلم طويلة وحادة. لكن إضافة إلى المساعدة على الحد من عدم المساواة، فإن الفوائد المحتملة بالتأكيد تفوق المخاطر.
إن استهداف قطاعي التكنولوجيا العالية والطاقة المتجددة في الولايات المتحدة، مثلا، له فرصة جيدة في تحفيز الابتكار وتسريع إزالة الكربون. أما سياسة باي أمريكان، من ناحية أخرى، فمحفوفة بالمشكلات. إذ إن إغلاق حدود البلد لن يساعد الولايات المتحدة على حل أكثر تحدياتها إلحاحا – وسيهدد أهداف السياسة الصناعية الجديرة بالثناء.
لنأخذ مثالا: إن تثبيط الواردات الرخيصة من الألواح الشمسية من الصين، وهي حاليا أقل منتج للطاقة الشمسية تكلفة في العالم، سيؤدي إلى إبطاء التحول الأخضر في الوقت نفسه الذي يسعى فيه الاستثمار العام في الولايات المتحدة إلى تسريعه.
ورغم أن هذا قد يبدو وطنيا، فإن سياسة باي أمريكان ستفاقم عدم المساواة. ستؤدي القيود التجارية والمعاملة التفضيلية للشركات الأمريكية إلى زيادة الأسعار، ما سيجعل السيطرة على التضخم أكثر صعوبة وسيلحق الضرر بالأمريكيين الأكثر فقرا. ودون توسيع نطاق الهجرة، فمن غير الواضح أن هناك عددا كافيا من العمال الذين يتمتعون بالمهارات المناسبة لتنفيذ خطط الاستثمار العام الطموحة لإدارة بايدن.
على الصعيد العالمي، تمنع سياسة باي أمريكان التعاون الدولي في الوقت الذي تشتد الحاجة إليه. كما أنها تحد من النمو الاقتصادي وجهود الحد من الفقر في البلدان منخفضة الدخل، ما يبطئ عقودا من التقدم الذي تحقق بشق الأنفس على صعيد المساواة العالمية أو يوقفها.
ما الذي يجب فعله إذن؟ لكي تحقق السياسة الصناعية طموحاتها، ينبغي أن نتبنى الاستثمار العام القائم على المكان، والموجه بعناية والمنسق دوليا. لكن سياسة باي أمريكان وما يعادلها في البلدان الأخرى ينبغي أن تتراجع. بدلا من استخدام السياسة الصناعية ذريعة لإغلاق الحدود، ينبغي التركيز على تعظيم فوائد الاستثمار العام مع تقليل مخاطره إلى الحد الأدنى.
تتعارض أهداف مكوني السياسة الصناعية الأمريكية. قبل أن تصبح نموذجا عالميا، تحتاج الوصفة إلى تعديل: نخل المكون الأول بعناية، وإلغاء الثاني.
*أستاذة الاقتصاد في جامعة ييل وكبيرة الاقتصاديين سابقا في البنك الدولي ومؤلفة كتاب "التأثيرات غير المتكافئة للعولمة"