إغلاقات الصناديق المتداولة تضرب أوروبا .. هل تشبعت السوق؟
شهدت سوق المنتجات المتداولة في البورصة الأوروبية انخفاضا حادا في عمليات الإطلاق وارتفاعا كبيرا في الإغلاقات هذا العام، رغم الخلفية الداعمة من الأسواق المالية الأقوى، في إشارة إلى أن السوق قد تصل إلى التشبع.
يبدو أن زيادة المنتجات توقفت في الأشهر السبعة الأولى من العام، إذ إن إطلاق 132 منتجا تقريبا أحبطه 111 إغلاقا، وفق بيانات من منصة مورنينج ستار دايركت.
يمثل هذا المزيج تراجعا ملحوظا منذ 2022، عندما شهدت أوروبا إطلاق 382 صندوقا ومنتجا متداولا في البورصة وإغلاق 50 فقط. كان الرصيد أيضا إيجابيا بقوة في 2021، بـ393 عملية إطلاق و129 إغلاقا، على الرغم من أنه كان سلبيا في الأيام المظلمة من 2020.
قال كينيث لامونت، كبير محللي الصناديق لاستراتيجيات الاستثمار الساكن في "مورنينج ستار": "سوق صناديق المؤشرات المتداولة في أوروبا تنضج (قطعت مرحلة النمو وتواصل عملها دون كثير من الابتكارات أو التغيير). ربما شهدنا ذروة الإطلاقات في الأعوام الأخيرة".
"ربما السوق تتشبع. لا يوجد سوى عدد معين من الصناديق التي تحتاجها. كان المحرك الأساس على مدى الأعوام القليلة الماضية هو الصناديق المستدامة، لكننا شهدنا فتورا في الاهتمام بهذه الصناديق"، كما أضاف لامونت.
كان أحد محركات النمو الأخرى هو صناديق "الموضوعات"، التي تركز على مفاهيم مثل الطاقة المتجددة وبلوكتشين وميتافيرس. لكن مع تكدر الحماس بسبب "الانخفاض في الأداء، أصبحت هذه السوق مشبعة نسبيا أيضا"، وفقا للامونت.
تشير الأرقام إلى أن أوروبا متخلفة عن النمو في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الأخيرة تعد على نطاق واسع سوقا ناضجة أكثر.
يبدو أن بقية العالم يسبق خطى أوروبا، مع 298 إطلاقا في الأشهر السبعة الأولى من 2023 مقابل 117 إغلاقا، وفقا لـ"مورنينج ستار".
قال مايكل أوريوردان، الشريك المؤسس لشركة بلاك ووتر للبحث والاستشارات، إنه "لم يفاجأ" بالتباطؤ في الإطلاقات الأوروبية.
"من الصعب التوصل إلى أفكار جديدة لم تحلب حتى آخرها بالفعل. بعد إطلاق اللبنات الأساسية، كانت استراتيجية بيتا الذكية (الانتقاء الذكي) هي الرائجة وأطلقت منتجات كثيرة، ثم جاء الاستثمار المستدام وفق معايير البيئة والمجتمع والحوكمة وأطلقت أطنانا من منتجات استثمار وفق هذه المعايير. ما هي الصيحة التالية؟"، كما تساءل.
مع ذلك، جادل ديتليف جلو، رئيس أبحاث أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة ريفينيتيف ليبر، بأن التباطؤ في إطلاق المنتجات كان إلى حد كبير نتيجة تشديد السياسة النقدية في كل من أوروبا والولايات المتحدة.
هذا لأن الصناديق المتداولة تبدأ دورة حياتها عادة متشبعة بالتمويل الأولي. دونه، ربما يكون الصندوق غير متاحا للمستثمرين المؤسسيين والمهنيين الذين لديهم حدود يفرضونها على أنفسهم على مقدار ما يمكنهم امتلاكه من منتج ما.
كتب جلو في منشور على مدونة: "تلاشى التمويل الأولي عندما ارتفعت أسعار الفائدة. تدنت رغبة البنوك الاستثمارية في المخاطرة لأنها لم تعد مضطرة للبحث عن طرائق بديلة لكسب ربح من تدفق نقدها الحر".
إضافة إلى ذلك، قال جلو إن الكآبة إزاء خلفية الاقتصاد والسوق السائدة تعوق مديري الصناديق.
"لا تريد أي جهة ممولة إطلاق منتجات جديدة قبل وقت قصير من تراجع في السوق. لذا، المخاوف المستمرة بشأن ركود محتمل في الاقتصادات العالمية الرائدة ربما تعوق ممولي الصناديق المتداولة"، حسبما قال.
ربما تلعب العوامل الخاصة دورا أيضا. لم تغتنم أوروبا حتى الآن الطرح السريع للصناديق المتداولة النشطة التي اجتاحت الولايات المتحدة.
قال لامونت إن الصناديق النشطة شكلت 158 من أصل 232 عملية إطلاق جديدة في الولايات المتحدة هذا العام، لكن 35 فقط من الـ132 طرحا جديدا كانت في أوروبا.
قدر كبير من الاختلاف يعود في الأغلب إلى الضرائب، فالصناديق المتداولة تتلقى معاملة ضريبية مواتية لرأس المال مقابل الصناديق المشتركة في الولايات المتحدة. في أوروبا لا توجد معاملة تفاضلية، ما يضعف مبررات الاستثمار في الصناديق المتداولة النشطة.
قال لامونت: "إن الاندفاع المفاجئ لانتهاز الصناديق المتداولة النشطة في الولايات المتحدة يضلل الإحصائيات".
يؤثر في السوق الأوروبية عامل آخر وهو استحواذ شركة أموندي على نظيرتها الفرنسية ليكسور في 2021 - 42 من المنتجات المتداولة الأوروبية التي أغلقت هذا العام كانت تديرها "أموندي" أو "ليكسور".
قال لامونت إن هذا عكس "ترشيدا مستمرا للمنتجات" في أعقاب الصفقة، لكنه أضاف أنه يمكن قراءته أيضا على أنه "علامة على نضج السوق، حيث تندمج السوق".
ما يصل إلى 46 من الصناديق المنتهية صنفتها "مورنينج ستار" على أنها صناديق "متنوعة"، وهي شريحة تتكون إلى حد كبير من العملات المشفرة والمنتجات المتداولة ذات الرفع المالي والعكسية.
شكلت شركة ليفيرج شيرز وحدها 21 إغلاقا من الإغلاقات هذه -مراكز الدائن والمراكز المكشوفة بسهم واحد - مع أنها أطلقت 15 منتجا آخر.
قال لامونت إن هذا كان "جزءا من العمل كالمعتاد" في مثل هذا المجال المتخصص، "حيث يطلق اللاعبون الأصغر منتجات خاصة، ويغلقون أي شيء يفشل بسرعة لأسر المتداولين".
عموما، لم يعتقد أن البيانات كانت دليلا على "فتور الاهتمام بالصناديق المتداولة في حد ذاتها".
"لقد مررنا بنمو كبير في الأرقام، لكن السوق نمت من حيث الاتساع أكثر مما نمت من حيث الحجم. جزء كبير من ذلك جاء من تهيئة مقدمي المنتجات أنفسهم للنمو، لذلك أتوقع أن يقل عدد الإطلاقات"، حسبما قال لامونت.
تنبأ أوريوردان أيضا بفترة طويلة من نشاط إطلاق ساكن.
قال: "لن أتفاجأ إذا كانت الأرقام هي نفسها العام المقبل. ابتكار منتجات وتطويرها أمر صعب ولا يكون لديك إلا منتجات مقلدة كثيرة".
مع هذا، كان جلو أكثر تفاؤلا، قائلا إن ندرة المنتجات الجديدة تعكس بيئة السوق و"لا علاقة لها بافتقار محتمل إلى الابتكار أو بصناعة بلغت النضج".
أضاف: "بل العكس صحيح. أتوقع إطلاق عدد كبير من الصناديق المتداولة الجديدة بمجرد أن تصبح التوقعات للأسواق أكثر وضوحا لأني عرفت من محادثات مع ممولي الصناديق المتداولة أن بحوزتهم أفكارا كثيرة لتعزيز طروحاتهم الحالية من الصناديق المتداولة".