رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ديون العقارات وشبح 2008

يبدو أن أزمة ديون قطاع العقارات أصبحت شبحا يهدد بكبح عجلة الاقتصاد الصيني، فالصين تمتلك قوة بشرية كبيرة تصل إلى 1.4 مليار نسمة، واقتصادا تضاعفت قوته خلال العقد الماضي، كل هذا يوحي بأن طارئا اقتصاديا قد ينذر بخسائر ضخمة وقلق كبير.
وقد كان هذا السيناريو الذي وقع في سبتمبر الماضي عندما تجاوزت ديون مجموعة "تشاينا إيفرجراند"، التي تعد إحدى أكبر الشركات العقارية في الصين، عتبة 305 مليارات دولار (264 مليار يورو) جراء التوسع الكبير في الأعوام الماضية، بيد أن هذه الديون المتراكمة لم تكن سوى غيض من فيض، إذ بلغ إجمالي ديون شركات قطاع العقارات الكبيرة في الصين أكثر من خمسة تريليونات دولار، وفقا لتقديرات مجموعة "نومورا" المالية.
ومن شأن ضخامة هذه الأرقام أن تبث الرعب في قلوب الاقتصاديين ورجال الأعمال والشركات في الصين، وربما في العالم.
وما يزيد الطين بلة، تجاوز ثلث أكبر 30 شركة عقارية من حيث المبيعات أحد الخطوط الحمراء الثلاثة للديون التي وضعتها الحكومة الصينية لكبح المضاربة العقارية، ما يوحي بأن الأمر قد يفوق قدرة هذه الشركات.
وإزاء هذا المشهد الخطير، تعالت الأصوات عقب عودة أسواق العقارات في الصين لتتصدر عناوين الأخبار حول العالم، مع تصاعد القلق بشأن الوضع المالي للقطاع الذي يمثل نحو ربع حجم الاقتصاد.
ونلحظ أنه لم تتوقف الضغوط على قطاع العقارات في الصين منذ أكثر من عامين. وهذا القطاع الذي يمثل ركنا أساسيا في الاقتصاد المحلي، يتعرض لمصاعب تلو أخرى، بما في ذلك تعثر بعض الشركات الرئيسة فيه، وكذلك توقف المشاريع، أو تأجيل الانطلاق بمشاريع جديدة، فضلا عن تعثر الشركات العقارية عن تسديد قروضها للبنوك المحلية. وهذه النقطة خصوصا تؤرق الساحة الصينية وحتى الخارجية، لأن نسبة من البنوك الصينية ومعها عدد من مصارف الخارج منكشفة على شركات العقارات الضخمة في الصين. فأي تعثر أو تخلف عن السداد يعني تهديدا قويا لهذه البنوك. والعالم لا يزال يتذكر أزمة الرهن العقاري الأمريكية في 2008، التي سرعان ما تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية.
اليوم تواجه شركة "كانتري جاردن" الصينية، وهي أكبر مؤسسة خاصة لبناء المنازل، نقصا خطيرا في السيولة، ما جعلها تتخلف عن سداد مدفوعات بقيمة 22.5 مليون دولار من سنداتها الدولية.
والأمر لن يتوقف عند هذا الحد، فمواصلة التخلف عن السداد، يعني ببساطة تعمق المشكلات لهذه الشركة المهمة، وإضافة مزيد من حالة عدم اليقين للقطاع العقاري كله.
في الصين حاليا مشاريع عقارية من الطراز الفاخر متوقفة، إلى درجة أنها تحولت إلى مناطق أشباح، أو إلى مرعى للماشية، ولم تتمكن الشركات التي تقف وراء هذه المشاريع أن تعيد عجلة العمل إليها، وليس واضحا أنها ستنجح في ذلك في وقت قريب.
ومن هنا، فإن أزمة هذه الشركة بدأت بالفعل تجلب مزيدا من الصدمات للقطاع العقاري، في الوقت الذي يسعى فيه المشرعون إلى احتواء أي آثار خطيرة لهذا الوضع المتجدد.
وفي الواقع لا ترتبط أوضاع العقار في الصين بأزمات الشركات المتعاقبة، ولا بمستويات الفائدة المرتفعة فحسب، بل بقيام المشرعين بتشديد قوانين منح القروض السكنية عموما، وتمويل الشركات العقارية بكل أحجامها. لكن قبل هذا التشديد حصلت الشركة المشار إليها على خط ائتمان من بنك التوفير المملوك للدولة بقيمة 50 مليار رنمينبي، على أن تنجو "كانتري" من أزمة السيولة، إلا أن المسألة لم تمر بهذا التصور. والمشكلة الأساسية تبقى، إذ إن أزمة السيولة تعم قطاع العقارات الصيني كله، والشركات التي تتأثر به من كل الأحجام. وهنا تتسع دائرة المشكلة، فالتزامات هذه الشركة بلغت 271.7 مليار دولار، صحيح أنها أقل من التزامات شركة "إيفرجراند" البالغة 340 مليار دولار، التي انهارت في 2021، لكن أي تخلف جديد عن السداد، ستكون له تداعيات قوية وخطيرة.
ليس هناك حل واضح لأزمة "كانتري جاردن"، خصوصا إذا ما طال أمد تعثرها وتراجعت السيولة لديها بما يدفعها إلى وقف مشاريعها الضخمة في أرجاء الصين، ولا سيما في عاصمة البلاد بكين، فأزمة القطاع التي ظهرت منذ عامين تقريبا، طرحت كثيرا من الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة مقنعة حول استمرارية شركات التطوير العقاري الخاصة بحراكها على الساحة المحلية. وهذه النقطة باتت مرتبطة بحراك حكومي لا رجعة فيه يتعلق بإصلاح سوق الإسكان الوطنية كلها، في سبيل توفير الضمانات اللازمة لها في المستقبل. ولذلك، فإن الإجراءات والتشريعات الحكومية هي التي ستحدد في النهاية شكل المسارات الجديدة لشركات العقارات كلها.
لا شك أن المرحلة المقبلة ستشهد تقلبات مستمرة في السوق العقارية الصينية، كما أن المخاطر سترتفع حتى على صعيد بعض جهات التمويل الأجنبية المنكشفة على سلسلة من المصارف الدائنة لشركات العقار، فالأزمة ستأخذ وقتا لكي يستقر قطاع العقارات في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي