الضريبة الاستثنائية .. لم لا تفرض على البنوك؟

عنصر المفاجأة في قرار الحكومة الإيطالية فرض ضريبة استثنائية على البنوك الإيطالية ليس في الضريبة الاستثنائية بحد ذاتها، بل في تطبيق الضريبة على البنوك، وهي الضريبة الاستثنائية التي تم تطبيقها في عدد من الدول في قطاعات اقتصادية أخرى غير المؤسسات المالية، فهي في الأغلب تأتي من نصيب شركات النفط والطاقة والتعدين والاتصالات والكهرباء.
قرار الحكومة الإيطالية أحدث بلبلة كبيرة في الأوساط المالية داخل إيطاليا وخارجها، ونتج عنه هبوط حاد في أسهم البنوك وصل إلى نحو 12 في المائة لأحد البنوك.
من الواضح أن القرار تم اتخاذه على وجه السرعة، ولا سيما أن رئيسة الوزراء تنتمي إلى حزب جمهوري محافظ معروف بتوجهاته الصديقة نحو الاقتصاد والتجارة، لذلك اضطرت الحكومة في اليوم التالي إلى التخفيف من حدة القرار الذي كان يستهدف استقطاع 40 في المائة من صافي أرباح البنوك، فأصبح على أن يكون ذلك بحد أعلى 0.1 في المائة من صافي أصول البنك.
فكرة الضرائب الاستثنائية -كما يراها بعض المشرعين الحكوميين- هي أن هناك أحيانا حالات يجب على الدولة التدخل فيها للحصول على جزء من الثروة الاستثنائية المتحققة لأحد القطاعات الاقتصادية. ورغم أن هناك ضرائب نظامية مقرة بحق جميع الأنشطة الاقتصادية والمالية، إلا أن الظروف الاقتصادية المتقلبة تنتج عنها بين الحين والآخر حالات استثنائية، تؤدي إلى أرباح غير طبيعية، وبالتالي ينظر إلى هذه المسألة على أنها فوائد مالية استثنائية خارج الأطر الضريبية المقرة فيجب استقطاع جزء منها لمساعدة المتضررين من الأسعار المرتفعة التي بدورها أدت إلى تحقيق هذه الأرباح.
لذا نجد في كثير من الحالات السابقة، كما حدث في عدد من الدول تجاه شركات الطاقة، آخرها العام الماضي حين فرضت حكومة بوريس جونسون ضريبة لمرة واحدة على شركات الطاقة نتيجة تحقيقها أرباحا عالية، أن المبررات تكون بهدف تمرير هذه الأموال نحو تخفيف أسعار الوقود على الناس، أو لإعانة المتقدمين على قروض عقارية كما في الحالة الأخيرة لإيطاليا.
جدير بالذكر أن مذكرة اقتصادية صادرة عن صندوق النقد الدولي العام الماضي أشارت إلى ضرورة قيام متخذي القرار في فرض ضرائب استثنائية على شركات الطاقة التقليدية نتيجة ارتفاع أسعار النفط العام الماضي، بل إن المذكرة ذهبت إلى أبعد من ذلك بأن تقترح فرض ضرائب دائمة على الأرباح الاستثنائية ولكن - بحسب المذكرة - شريطة أن يتم ذلك بعناية فائقة كي لا ينتج عن ذلك نتائج عكسية في سبيل التطوير والاستثمار في مجالات الطاقة.
كثيرون يؤيدون فكرة إيجاد آلية مناسبة لاستفادة الحكومة من الأرباح الاستثنائية التي تحققها بعض القطاعات، بما في ذلك قطاع البنوك، وذلك من منطلق أن في ذلك فائدة للمستهلك النهائي الذي في حقيقة الأمر هو من أسهم في تحقيق تلك الأرباح، ولكن هناك اختلاف حول الآلية وهناك بالطبع من يعارض الفكرة بشكل كامل. هناك من يرى أن نسبة الضريبة النظامية كافية، لأنه مع ارتفاع الأرباح ترتفع متحصلات الضريبة لمصلحة الحكومة، بمعنى أن الحكومة هي الأخرى تستفيد من ارتفاع الأرباح، إلى جانب أن هناك من يتساءل هل كانت الحكومة ستتدخل لمساعدة تلك الشركات في الأعوام التي تكون فيها الأرباح متدنية؟
فيما يخص البنوك خصوصا، فمن المعروف أنها تحظى باهتمام من قبل الحكومات في كل مكان، وهي من الشركات التي يقال عنها إنها أكبر من أن تترك لتنهار وتفلس، وبالتالي ليس بالأمر المبالغ فيه إن تم استقطاع ضرائب استثنائية تحت ظروف معينة من باب رد المعروف، فهي تحقق أرباحا ضخمة مع ظروف عملها السهلة عديمة الابتكار، خاصة بعدما أخذت البنوك في المنطقة تغلق كثيرا من فروعها وأجهزة الصراف الآلي، وكثير من عملائها يستخدمون التطبيقات، بينما نجد قطاعات اقتصادية وصناعية أخرى منتجة في ظروف عمل أصعب وأرباح أقل ونسبة الضريبة تكاد تكون واحدة. من جانب آخر لا ننسى أنه في أوقات الأزمات المالية نجد الحكومات، من خلال البنوك المركزية، تأتي لنجدة البنوك ومدها بالسيولة اللازمة لتجاوز الأزمة، فما الذي يمنع من فرض ضرائب استثنائية بحسب ضوابط معينة، أو إعادة تصميم النظام الضريبي بحيث يمكن استقطاع ضرائب مناسبة تتماشى مع حجم الأرباح المتحققة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي