بين أسعار النفط وصناعته

عندما بزغ نجم النفط الصخري في العقد الأخير، اختلف التعاطي معه بين طرح متفائل ومتشائم، وبين موضوعي وغير موضوعي حول تأثيره في منظومة الطاقة العالمية، وميزان العرض والطلب. أرى أن النفط الصخري أوجد لنفسه مكانا بين كبار المنتجين المؤثرين، وأصبح رافدا من روافد النفط لا يمكن تجاهله أو تهميشه. الجدير بالتنويه، أن النفط الصخري سيجري عليه ما يجري على طرفي المعادلة الآخرين، وأعني هنا "أوبك" والمنتجين المستقلين من خارجها، وسيخضع للعوامل الفنية والأساسية والطبيعية ذاتها وغيرها من العوامل التي أثرت وستؤثر في أسواق الطاقة العالمية وأسعارها.
الأسعار المتدنية التي وصل إليها النفط خلال جائحة كورونا وانعكاسها السلبي الحاد على اقتصادات العالم، والحظر الكلي أو الجزئي الذي شمل جل دول العالم، إضافة إلى التخمة النفطية التي كانت تعانيها الأسواق منذ مدة، أدت إلى تحرك قوي وفاعل من المنتجين المؤثرين، بقيادة السعودية، لمنع انهيار الأسعار أو استمرار انهيارها، إن صح القول. بل إن الولايات المتحدة تحركت بقيادة الرئيس ترمب، للوصول إلى اتفاق تاريخي بين السعودية وروسيا لتعميق خفض الإنتاج بصورة استثنائية لوقف نزيف الأسعار. عند تسليط الضوء على المستقبل البعيد الذي سيقترن بنمو مطرد في عدد السكان والنمو الاقتصادي، ما يعني بالضرورة نمو الطلب على الطاقة بأنواعها المختلفة، وبشكل رئيس في الاقتصادات الناشئة، وأبرزها الدول الآسيوية الأسرع نموا، ومنها بلا شك النفط، الذي سيبقى متربعا على عرش مصادر الطاقة العالمية، وسيستمر النمو في الطلب عليه حتى 2040، بحسب وكالة الطاقة الدولية.
عند تسليط الضوء على المستقبل البعيد يجب الأخذ في الحسبان حقيقة انخفاض إنتاجية الحقول النفطية، حيث لا توجد بئر للنفط لها مستقبل غير محدد، بل لكل بئر عمر افتراضي ونهاية تحددها صحة البئر الفنية، وكلما مرت الأعوام انخفض إنتاج النفط سهل الاستخراج. كذلك لا يمكن تجاهل التحديات التي يواجهها مزيج الطاقة عموما، والنفط خصوصا، الذي أرى أنه يتعرض لحملة إعلامية غير مهنية وغير منصفة وضعته في قفص الاتهام بتهمة التغير المناخي. هذه المعطيات وضعت صناعة النفط أمام تحد كبير للتعامل مع موضوع التغير المناخي، وانخفاض الأسعار بسبب التخمة النفطية التي زادتها جائحة كورونا تخمة فوق تخمتها، وأيضا المحافظة على الاستثمارات النفطية التي تعزز الأمن الطاقي العالمي.
قد يعتقد البعض أن انخفاض أسعار النفط بصورة قوية يضر المنتجين فقط، وأن هذا الانخفاض يصب في مصلحة المستهلكين. قد يكون هذا الاعتقاد صحيحا على المدى القصير، لكن الحقيقة أن المنتجين والمستهلكين سيتأثرون سلبا على المديين المتوسط والبعيد من انخفاض أسعار النفط. عندما تنخفض أسعار النفط بصورة قوية وتستمر على هذا الانخفاض مدة طويلة، هذا سيؤدي إلى انخفاض أو خروج بعض الاستثمارات في هذا القطاع، خصوصا في قطاع التنقيب لاستكشاف حقول جديدة تعزز الإمدادات النفطية في المستقبل، أو لتطوير حقول قائمة برفع كفاءتها الإنتاجية. هذا يعني أنه في مرحلة ما ستقل الإمدادات قسريا، وبوجود طلب عال على جميع منتجات الطاقة المختلفة، سترتفع الأسعار بصورة كبيرة تضر بالمستهلكين.
السياسة البترولية السعودية، كأهم منتج للنفط، تعي وتدعم الوصول إلى أسعار مناسبة للمنتجين والمستهلكين، فهل يعي المستهلكون أهمية ذلك على المدى البعيد؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي