خفايا ماء الفم

في كثير من الأحيان نغفل عن نعم منحنا الله إياها لا نشعر بقيمتها إلا عند فقدها. هل فكرت يوما كيف سيكون شعورك لو جف ذلك السائل المتدفق في فمك، وأصبح فمك خاليا من اللعاب؟ أبسط ما سيحدث لك أنك لن تستطيع الكلام أو أكل الطعام، وعشرة أكواب من الماء لن تقوم مقام تلك القطرات من لعابك! فما سر ذلك السائل الشفاف؟
تفرز الغدد اللعابية بالفم يوميا نحو لتر من اللعاب، وأثناء تدفق هذه الكمية من اللعاب في الفم تتم مكافحة الجراثيم وتخزين المعادن المهمة واللازمة لبناء مينا الأسنان كالكالسيوم، والفلورايد والفوسفات والمغنيسيوم، حيث يتكون من ماء 99 في المائة ومياه ملحية 1 في المائة. وينتج الشخص العادي في حياته كمية من اللعاب كافية لملء مسبحين!
وعدته الجمعية الألمانية لحماية الأسنان "برودينت" إكسير الحياة للأسنان، إذ لا تقتصر أهميته على ترطيب الأطعمة داخل الفم وتسهيل عملية بلعها، بل يمثل الحاجز الأول في الفم للوقاية من مسببات الأمراض، وتستفيد منه الأسنان من خلال احتوائه على جميع الأملاح المعدنية التي تحمي مينا الأسنان من مهاجمة الأحماض.
لقد كان حارسنا الأمين في الصغر فعندما ننجرح جرحا بسيطا أو نصاب بحرق خفيف أو تنحشر أصابعنا في الباب، نلجأ إلى لعق أصابعنا وكأن فيه الشفاء ولم يدر في خلدنا يوما أن لهذه الحركة الطفولية أثرا عميقا، فقد اكتشف باحثون فرنسيون من معهد باستور الفرنسي في باريس احتواء اللعاب على مسكن قوي للألم تصل قوته إلى ستة أضعاف قوة المورفين لدى تجربته على فئران المختبر، المذهل أن هذه المادة التي تمت تسميتها "أوبيورفين" تنتج بشكل طبيعي في جسم الإنسان، وتعد من مسكنات الألم النادرة جدا خارج الجسم ويصعب تصنيعها مخبريا بكميات كبيرة. لذلك، يأمل العلماء أن يتم تسخير هذه المادة من أجل أبحاث سريرية مستقبلية لصناعة الأدوية المسكنة للآلام.
وكان -صلى الله عيه وسلم- يأمر من به سقم أن يأخذ من ريقه نفسه على إصبعه السبابة، ثم يضعها على التراب فيعلق بها منه شيء فيمسح به على الموضع الجريح أو العليل، ويقول: "بتربة أرضنا وريق بعضنا يشفى سقيمنا بإذن ربنا". تقوم غدد اللعاب بإفراز الكمية والنوعية المناسبتين من اللعاب حسب المهمة أو نوع الطعام. فالحيوانات التي تأكل طعاما رطبا لعابها قليل. والأسماك ليس لها لعاب أبدا. أما الطيور التي تأكل الحبوب فغدد اللعاب نامية جدا.