أزمة "كانتري جاردن" تجلب معاناة جديدة لقطاع العقارات الصيني

أزمة "كانتري جاردن" تجلب معاناة جديدة لقطاع العقارات الصيني

عندما كشف بنك التوفير البريدي الصيني المدعوم من الدولة عن خط ائتمان بقيمة 50 مليار رنمينبي (سبعة مليارات دولار) لشركة كانتري جاردن في نوفمبر، بدا أن أكبر شركة خاصة لبناء منازل في الصين ستنجو من أزمة سيولة تعم القطاع برمته.
وبعد تسعة أشهر من ذلك، فإن الشركة تعاني نقصا خطيرا في السيولة. وتتوقع الشركة أن تكون قد خسرت ما بين 45 و55 مليار رنمينبي في النصف الأول من هذا العام، وتواجه ما تسميه "أكبر الصعوبات" في تاريخها.
وأكدت كانتري جاردن أخيرا أنها تخلفت عن سداد مدفوعات بقيمة 22.5 مليون دولار على اثنين من سنداتها الدولية، ما أرسل موجات من الصدمة اجتاحت صناعة العقارات المتعثرة في البلد. وهبط سعر سهمها إلى مستوى قياسي منخفض الجمعة، وهو ما أثر في ثروة رئيسة الشركة يانغ هويان، أغنى امرأة في آسيا سابقا.
وعند ما يقرب من 200 مليار دولار، فإن التزامات كانتري جاردن يمكن مقارنتها بـ340 مليار دولار مترتبة على شركة إيفرجراند، التي أدى انهيارها في 2021 إلى سلسلة أخرى من حالات التخلف عن السداد. لكن مكانة كانتري جاردن كأكبر شركة تطوير عقاري - التي كانت تعد حتى وقت قريب أكثر أمانا من عديد من أقرانها ذوي المديونية العالية - تعني أن أي تخلف عن السداد في نهاية المطاف له تداعيات عميقة.
تظهر مشكلات كانتري جاردن مدى ترسخ أزمة العقارات المستمرة منذ عامين في الصين، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على إمكانية استمرار المطورين العقاريين من القطاع الخاص الذين دفعوا التوسع الحضري والنمو الاقتصادي في البلاد لعقود.
كما أن مصيرها سيضع تصميم بكين على إصلاح سوق الإسكان تحت الاختبار بعد إدخال لوائح تقيد المديونية في 2020. وقد أظهرت الحكومة بالفعل علامات على تخفيف هذه القواعد.
وقال أندرو لورانس، محلل العقارات الآسيوية في شركة تي إس لومبارد، "لم تكن لدينا حزمة شاملة من الخطط لإعادة تنشيط القطاع، لذلك سنستمر في رؤية حالات التخلف عن السداد".
وجاء التباطؤ في قطاع العقارات، الذي يمثل أكثر من ربع النشاط الاقتصادي للصين، في لحظة حرجة بالنسبة إلى بكين، حيث يواجه الاقتصاد رياحا معاكسة للتجارة وضغوطا انكماشية.
وقال بروك سيلفرز، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة كايوان كابيتال للأسهم الخاصة، "لا توجد خيارات جيدة في هذه المرحلة. في نهاية المطاف تجب معالجة حالة إفلاس قطاع العقارات".
أسست شركة كانتري جاردن في 1992، عندما مهدت الإصلاحات على مستوى البلاد الطريق لشركات القطاع الخاص للدفع من أجل التوسع الحضري في الصين. وفي النهاية نمت الشركة لتصبح أكبر مطور عقاري في البلاد من حيث المبيعات، والتي تجاوزت نصف تريليون رنمينبي في كل من 2018 إلى 2021.
وبعد تخلف إيفرجراند وشركات التطوير العقاري الأخرى عن السداد في 2021، كان ينظر إلى كانتري جاردن على أنها مستقرة، ولكن كانت هناك مخاوف بشأن تعرضها لمدن من الدرجة الثالثة والرابعة في الصين، والتي شكلت 60 في المائة من مبيعاتها العام الماضي.
وكعديد من المطورين في الصين، اعتمدت كانتري جاردن بشكل كبير على "الدفع المسبق" من العملاء قبل اكتمال شقتهم. وتعمل المبيعات كمصدر أساسي للتمويل، حيث يتم استثمار العائدات في مشاريع جديدة. وفي يوليو من هذا العام، تراجعت مبيعاتها إلى 40 في المائة فقط من مستواها في العام الماضي. وقد انخفضت لمدة أربعة أشهر متتالية، ما أدى إلى تفاقم أزمة السيولة في الشركة.
وقال مارك ويليامز، كبير الاقتصاديين الآسيويين في شركة كابيتال إيكونوميكس، إن مشتري المنازل "يبتعدون عن جميع المطورين من القطاع الخاص لمصلحة المطورين الحكوميين، بالنظر إلى مخاطر انهيار المطورين الخاصين".
وقد حققت شركات التطوير الخاصة في أكبر 50 شركة في الصين مبيعات مجتمعة بقيمة أربعة تريليونات رنمينبي في 2021 ولكنها حققت تريليون رنمينبي فقط حتى الآن هذا العام، وفقا لبيانات المعاملات العقارية الصينية.
على خلفية تدهور المبيعات، أصبحت كانتري جاردن واحدة من النقاط المحورية للضائقة في الأسواق المالية. وقال أشخاص مطلعون على الأمر إن المجموعة انسحبت في اللحظة الأخيرة من صفقة لجمع 300 مليون دولار من خلال طرح أسهم في هونج كونج، مضيفين أن المستثمرين اصطفوا من أجل الصفقة. وقالت الشركة إنه كان من المقرر إصدار الأسهم بخصم 17.7 في المائة، وإن العوائد كانت ستستخدم "لسداد المديونية".
كما تواجه الشركة مدفوعات الفائدة الدورية على أوراق مالية أخرى، بما في ذلك السندات الخارجية، التي تستحق كل شهر حتى نهاية 2023، إضافة إلى سندات دولية بقيمة مليار دولار في يناير الماضي. وقالت الشركة إنها "ستحل بفاعلية" ضغوط السيولة، موضحة أنها تعتقد أن صناعة العقارات "ستعود إلى مسار تنمية سليم ومستقر".
وأثار حادث آخر مزيدا من التكهنات بشأن سلامة وضع الشركة. وذلك حين قامت رئيسة مجلس الإدارة يانغ، ابنة مؤسس كانتري جاردن، بتحويل ما يقرب من مليار دولار من أسهمها في ذراعها للخدمات العقارية إلى مؤسسة خيرية في هونج كونج.
وكانت شركات الخدمات العقارية، التي تتقاضى رسوما مقابل إدارة المباني السكنية، تعد أصولا قيمة في إعادة هيكلة الديون للمطورين الآخرين مثل إيفرجراند وسوناك.
وقال مستثمر إن أحد التفسيرات في السوق أن هذه الخطوة ربما كانت محاولة "لحماية" الأسهم. ورفضت "كانتري جاردن" التعليق.
وكتب جون لام المحلل في بنك يو بي إس في مذكرة للعملاء أن "توقيت التبرع يبدو غير عادي بالنسبة إلينا" وأنه كان سلبيا لشركة كانتري جاردن وذراع الخدمات.
ويراقب المستثمرون صدور إشارات تدل على أن بكين قد تغير سياستها لتقديم مزيد من الدعم للمطورين الذين يعانون ضائقة مالية.
وقالت ساندرا تشاو، الرئيسة المشاركة لأبحاث آسيا والمحيط الهادئ في شركة كريديت سايتس، "بالنظر إلى أن بكين سمحت لشركة إيفرجراند بالتخلف عن السداد، فهذه إشارة واضحة تماما أنه لا يوجد شيء أكبر من أن يفشل، لكننا رأينا دعما غير مباشر على مدار العامين الماضيين"، مضيفة، "من الصعب معرفة ما يحدث وراء الكواليس".
كانت كانتري جاردن واحدة من عديد من شركات التطوير غير المملوكة للدولة والمؤهلة للحصول على الدعم التمويلي الحكومي، ولكن هناك علامات على أن ذلك لم يتحقق.
وتظهر البيانات التي نشرها بنك الشعب الصيني في 19 يوليو الماضي، أنه تم استخدام 500 مليون رنمينبي فقط عبر أربع أدوات للسياسة تم تصميمها لدعم تمويل القطاع.
وعقد بنك الشعب الصيني أخيرا، اجتماعا مع عديد من شركات التطوير الخاصة الأخرى، بما في ذلك شركة سي أي إف آي، التي كان حضورها ملحوظا لأنها سبق أن تخلفت عن سداد ديونها. وكانت شركة كانتري جاردن غير حاضرة فيه.
وقال سيلفرز من كايوان كابيتال إن من المحتمل أن يتم سداد مدفوعات كانتري جاردن البالغة 22.5 مليون دولار، وأن السلطات قد تضغط على يانغ، التي تقود فريق عمل لمعالجة مشكلات الشركة، لتغطية التكلفة شخصيا.
ولكن في حين أن هذا قد "يؤدي إلى تجنب تخلف فوري عن السداد، فإن ذلك بحد ذاته ما زال لن يفعل أي شيء لإبطاء انهيار القطاع العقاري"، على حد قوله.

الأكثر قراءة