رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التضخم .. هل نجحت الأدوات؟

عانى الاقتصاد العالمي عدة تقلبات وموجات من التضخم والكساد، تعود في الأساس إلى عدم مقدرة الأدوات التي تعتمد سعر الفائدة على إدارة النشاط الاقتصادي. وبرزت البنوك المركزية كأهم أدوات تنفيذ السياسات المالية الرامية إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن هل نجحت حتى الآن؟
في حقبة سابقة عندما اجتاحت العالم حالة كساد كبيرة حدثت بطالة قاسية فكانت النتيجة مزيدا من المجاعات والبؤس، عندئذ تصدى العالم الاقتصادي لتلك الظاهرة ووضع تعريفا لها جاء فيه أن الكساد أو الركود يعني الهبوط المفاجئ للفاعلية الحدية لرأس المال بإحداثه نقصا في الاستثمارات ومن ثم الإنتاج وفي الطلب الفاعل.
ومن هذا المشهد والخلفية فإنه ليس واضحا تماما إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي خلال الأشهر القليلة المقبلة. فلا تزال حالة الضبابية تسيطر على الساحة، رغم كل الخطوات التي اتخذت من أجل توفير أعلى معايير ممكنة، لإبعاد الركود عن الميدان، ولتأسيس مرحلة نمو عالمي أطول وأكثر استدامة. والمرحلة الراهنة لهذا الاقتصاد لا تزال "أسيرة" التضخم بكل روابطه سواء تلك التي تتصل مباشرة بالحياة المعيشية، أو عبر سياسات التشديد النقدي المتواصلة، وآثارها في النمو. وهذا الأخير لم يعد هدفا في أغلبية الاقتصادات حول العالم، لأن الهدف الأهم بات حاليا منحصرا في الابتعاد عن الانكماش أو الركود، واستمرار التباطؤ الذي يبقى أفضل من كل الحالات السلبية الأخرى. ومع بعض التحسن الذي طرأ في الآونة الأخيرة، إلا أن الوضع لا يزال بعيدا عن وضعية ما كان عليه الاقتصاد العالمي قبل الأزمة الراهنة.
ولا تزال مؤشرات التضخم مرتفعة، وإذا ما تراجعت في هذا الاقتصاد أو ذاك، فإنها تكون بوتيرة قصيرة الأجل. بالطبع يبقى التشديد النقدي "السلاح" المتوافر الوحيد في يد الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية حتى الآن، فكل الأدوات الأخرى لم تعد ذات معنى بفعل انتهاء صلاحيتها. وفي الأشهر الماضية، بلغت مستويات تكاليف الاقتراض في أغلبية الدول حدودا تاريخية مرتفعة. وأدى ذلك إلى سلسلة من الانعكاسات غير المرغوبة طبعا، في مقدمتها تراجع النمو إلى مستويات أيضا نادرة حتى في الاقتصادات التي كانت تعد من محركات النمو العالمي، مثل الصين والهند وغيرهما. وهذا ما يفسر التوقعات التي تشير إلى أن النمو العالمي لن يحقق النمو المأمول بنهاية العام الجاري.
ومع كل رفع للفائدة، تتأثر الأسواق سلبا بذلك، ولا سيما قطاعات الأسهم والسندات. فقد تعرضت الأسهم لضغوطات كبيرة في الأشهر القليلة الماضية. صحيح أن هذه الأسواق لم تشهد انهيارا بسبب التضخم ورفع نسبة الاقتراض، لكنها تأثرت كثيرا بما تقوم به البنوك المركزية الملتزمة حتى بعد أن تراجع التضخم بعض الشيء، بمواصلة رفع الفائدة في المراجعات المقبلة، أو على الأقل ترك الباب مفتوحا لزيادة تكاليف الاقتراض. فالتضخم جلب أيضا مشكلات لعدد كبير من الشركات في قطاعات مختلفة، ما يفسر حرص الحكومات للسيطرة عليه بأقل قدر من الأضرار. غير أن الأضرار تحدث بالفعل وتتوسع مع امتداد فترة ارتفاع أسعار المستهلكين هنا وهناك.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن المؤثرات السلبية لارتفاع الفائدة، تنعكس بقوة وبشكل خطير على الساحة العقارية. فقد تعرضت العقارات في غير بلد لضغوط كبيرة لا تزال مستمرة، بعد تراجع عدد أولئك القادرين على الحصول على قروض سكنية بفعل الفائدة المرتفعة عليها. أدى ذلك إلى تراجعات كبيرة في أسعار العقارات، بما في ذلك أسعارها في مدن مثل لندن معروفة بحيوية القطاع العقاري عموما فيها، وبالعوائد الجيدة على الاستثمارات في هذه المدينة. كل الآثار التي تتركها أسعار الفائدة ومستويات التضخم، ومسار التشديد النقدي، أثرت أيضا في نشاطات الاستثمارات حول العالم. فمع ارتفاع حدة الموجة التضخمية تنكمش تلقائيا أحجام الثروات، يضاف إلى ذلك أن توجهات الاستثمار تتغير في ظل هذه الظروف. ففي الآونة الأخيرة شهدت الاستثمارات تراجعات واضحة، لأن نسبة من رؤوس الأموال اتجهت إلى أدوات استثمارية مالية أخرى.
وفي المحصلة، سيبقى أداء الاقتصاد العالمي غير واضح على الأقل إلى نهاية العام الجاري. وإذا ما تمكنت البنوك المركزية من لجم أطول للتضخم، فإنها قد تفكر في العودة، ولو بوتيرة بطيئة إلى التيسير النقدي الذي يحتاج إليه العالم الآن أكثر من أي وقت مضى، لتحقيق نمو يعوض خسائر الفترة الماضية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي