ارتفاع تكلفة التمويل ودعمه في أداء الشركات
ارتفاع تكلفة التمويل سيكون له أثر كبير في مسارات كثيرة في الأنشطة الاقتصادية سواء فيما يتعلق بحجم الطلب على التمويل، خصوصا التمويل العقاري الذي أصبح يشهد تباطؤا ملحوظا خلال الفترة الماضية سواء في المملكة أو في دول أخرى حول العالم، والتمويل الشخصي أصبح أكثر تكلفة وغيرها من صور التمويل أصبحت ذات تكلفة عالية، وهذا قد يؤدي إلى انخفاض الطلب على التمويل، كما أن ارتفاع تكلفة التمويل يزيد من المخاطر، ما يؤدي إلى إحجام كثير من المؤسسات التمويلية على تقديم التمويل، ما يضطر البعض إلى الطلب على تمويل أكثر تكلفة من خلال منصات متخصصة بعوائد تصل إلى أعلى من 10 في المائة.
خلال الفترة الماضية ومع تتابع الإعلانات للشركات، من الملاحظ أن مجموعة من الشركات تكبدت خسائر أو انخفضت نسب أرباحها بسبب ارتفاع تكلفة التمويل وهذا واضح في الإعلانات الخاصة بالنتائج النصف سنوية للشركات في سوق الأسهم، ولا يقتصر ذلك على السوق السعودية فقط، بل معظم الأسواق في العالم تعاني ارتفاع تكلفة التمويل، حيث ارتفعت تكاليف التمويل بما يصل للملايين وفي حالات كانت الشركة تربح ولكن انخفضت أرباحها، في حين أن هناك شركات كان هذا الارتفاع سببا في خسائر تكبدتها خلال الفترة الماضية.
في المقابل، وفي إعلان مغاير لواحدة من الشركات المدرجة في السوق السعودية أعلنت الشركة ارتفاعا ملحوظا في الأرباح، حيث استفادت من ارتفاع العوائد على استثماراتها من خلال إيداعها في ودائع مصرفية متوافقة مع الشريعة.
والحقيقة أنه بسبب شح السيولة وارتفاع الطلب عليها قدمت المصارف خيارات متنوعة لاستثمار هذه السيولة والحصول عليها ممن لديهم فوائض مالية كالأفراد والمستثمرين وغيرها، حيث تم طرح عدة إصدارات من الصكوك المتوافقة مع الشريعة على مستوى البنوك، كما نجد أن بعض الشركات المالية قدمت منصات للإيداع وتحقيق عوائد ثابتة للمودعين، كما أن صناديق الاستثمار بالريال أو النقد بصورة عامة أصبحت تحقق عوائد جيدة للمودعين بها، وبناء على ذلك نلاحظ بشكل واضح الإقبال على مثل هذا النوع من الاستثمار، في المقابل نجد أن الحصول على التمويل لا يحقق بالضرورة العائد الذي تتطلع له الشركات في توسعاتها في مشاريعها وذلك على الأقل خلال الفترة الحالية.
ولكن هل هذا قد يؤثر في مسار وخطط الشركات فيما يتعلق بالتوسع واستبدال هذه الخطط بإيداع فوائضها المالية بدلا من التوسع في مشاريعها حاليا في ظل ارتفاع تكلفة التمويل، خصوصا أن البعض يرى أن هناك ركودا محتملا للاقتصاد العالمي نتيجة لارتفاعات في نسب التضخم عالميا ورفع أسعار الفائدة الذي قد يحفز الركود، وكما هو مشاهد الصعوبات التي تواجهها شركات البتروكيميائية بسبب انخفاض الطلب وانخفاض أسعار المنتجات حتى مع انخفاض تكلفة القيم ولكن الإشكال في الطلب العالمي الذي أصبح يشهد انخفاضا مع كثرة المعروض.
الفترة الحالية قد يكون فيها فرص استثنائية نتيجة لهذه التحولات في السوق، فليس الاستثمار في الودائع المتوافقة مع الشريعة أو أي استثمار يعتمد على العوائد التي تستفيد من أسعار الفائدة جيدا في الفترة الحالية، بل إن هذه الحالة جعلت الأسعار والتكاليف تنخفض في مسارات كثيرة في السوق، وقد تعزز وفرة المعروض من الفرص علما بأن بقاء تكلفة التمويل العالية غير مستمر على المدى الطويل، بل حتى المدى المتوسط، وبالتالي انتظار انخفاض تكلفة التمويل قد يتزامن معه ارتفاع في الطلب في الأسواق وارتفاع في الأسعار، ولذلك ستكون هذه الفترة العصيبة من الارتفاعات في تكلفة التمويل هي الفترة الاستثنائية لكثير من الفرص في مختلف الأسواق في العالم، والسوق في المملكة قد تولد أفضل الفرص نتيجة الخطط والمشاريع التنموية التي اتضحت ملامحها ونتائجها بدأت تجني ثمارها حاليا، إضافة إلى برامج طموحة ومتنوعة، ولذلك قد نشهد في هذه الفترة طفرة في الفرص الاستثمارية الجيدة في ظل هذه الظروف الاستثنائية.
الخلاصة، إن ارتفاع تكلفة التمويل له أثر في الشركات سواء بارتفاع العوائد لدى الشركات التي لديها استثمار له علاقة بارتفاعات أسعار الفائدة مثل الودائع المتوافقة مع الشريعة والصكوك الإسلامية، وفي المقابل وهو الأغلب أن كثيرا من الشركات كان لارتفاع أسعار الفائدة تأثير في عوائدها، بل بعضها تحول إلى خسائر، وهنا تأتي أهمية النظر في جدوى التوسع في ظل ارتفاع تكلفة التمويل وانخفاض الطلب على بعض المنتجات، كما أن هذه الفترة سبب في توليد مجموعة من الفرص الاستثنائية التي ينتظرها المستثمرون.