الرحيل عن سلفادور .. مدينة أنهكها المرض والفوضى

الرحيل عن سلفادور .. مدينة أنهكها المرض والفوضى

بعيون كئيبة وفارغة، تعبر عائلة هزيلة الأحراش التي تتناثر فيها العظام وتحوم النسور فوقها. لوحة كانديدو بورتيناري عام 1944، المهاجرون، تصوير قاس ومخيف للأهوال التي واجهها اللاجئون الذين فروا من المناطق الداخلية الشمالية الشرقية القاحلة في البرازيل أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20.
مات مئات الآلاف من عذاب الجوع والجفاف. وهاجر عشرات آلاف غيرهم إلى المدن الساحلية في البرازيل، الأمر الذي ضخم عدد سكانها بوتيرة سريعة. لكن الآن، وبعد قرن من الزمان، بدأت التدفقات تأخذ اتجاها عكسيا. بحسب أرقام التعداد الجديدة، عدد كبير من المراكز الساحلية الحضرية الكبيرة في الدولة – التي كانت في السابق نقطة جذب للمهاجرين – آخذة في الانكماش بشكل متسارع.
وفي المقابل، تزدهر المدن والبلدات في المناطق الداخلية الشاسعة حيث توفر الأعمال التجارية الزراعية فرصا لمناطق كانت قاحلة وقاسية ذات يوم.
في الأعوام الـ12 بين هذا الإحصاء والمسح السابق عام 2010، انخفض عدد سكان ريو دي جانيرو 1.7 في المائة، بينما تقلص عدد سكان بورتو أليجري، في الجنوب، 5.4 في المائة وبيليم، على ساحل الأمازون، 6.5 في المائة. لكن من بين المدن الكبرى، لم تقترب أي منها إلى الانخفاض المذهل في سلفادور، وهي مدينة تاريخية على الساحل الشمالي الشرقي في ولاية باهيا. لقد فقدت نحو 10 في المائة من سكانها – أي 260 ألف شخص تقريبا.
يقول رودريجو سيركويرا، باحث ديموغرافي في معهد الإحصاء الحكومي في سلفادور: "في الماضي، شهدنا نزوحا جماعيا من الريف – أناس يفرون من الجفاف في المناطق الداخلية وينتهي بهم الأمر على الساحل. والآن نشهد حركة معاكسة".
يمكن لسلفادور، التي تقع في شبه جزيرة طويلة، ويحدها المحيط الأطلسي من جانب وخليج كبير من الجانب الآخر، أن تدعي بثقة أنها المدينة الأكثر تميزا في البرازيل. حيث أسسها البرتغاليون عاصمة الاستعمار منذ نحو 500 عام، إنها من بين أقدم المستوطنات المأهولة في أمريكا الجنوبية.
اليوم، يقع مركزها التاريخي في حالات متفاوتة من الإهمال، إذ توجد مساكن متداعية ملاصقة للكنائس الباروكية التي يعود تاريخها إلى قرون، وهي آثار لثروات مدينة العبودية السابقة. لا تزال البلدة القديمة تهيمن عليها ساحة تسمى بيلورينهو، نسبة للأعمدة الحجرية التي كان يجلد فيها العبيد الأفارقة.
تتمتع المدينة اليوم بفخر بثقافة إفريقية-برازيلية، إذ تتميز بالطعام والملبس والدين ذات الأثر الإفريقي، بما في ذلك كاندومبلي، وهو مزيج من عدة معتقدات غرب إفريقية تضم عناصر من الكاثوليكية. لكن السلفادور في حالة تدهور اقتصادي منذ فترة طويلة. مع أن المدينة ازدهرت في القرن الـ20 بثروة تجارة الكاكاو الإقليمية، إلا أنها تفتقر الآن إلى محرك للنمو يتجاوز السياحة. مع تضاؤل الفرص وتزايد المخاوف بشأن الأمن وعنف العصابات، يختار كثيرون الرحيل.
قال ليلو فاسكونسيلوس، الذي يدير متجرا صغيرا في البلدة القديمة في سلفادور: "أولئك الذين يملكون مالا قليلا يذهبون إلى المناطق الداخلية. لديهم هناك فول الصويا، والزراعة، التي توفر فرص عمل وتحسن المنطقة. لدينا هنا مشكلات مع الأمن والتعليم وقضية العنف. لا تتميز سلفادور بصناعة، وليس هناك اندماج اجتماعي داخلها".
كما تضررت المدينة بشدة عام 2015 من تفشي فيروس زيكا الذي ينقله البعوض، الذي يمكن أن يسبب تشوهات خلقية خطيرة. يعتقد الخبير الديموغرافي، سيركويرا أن هذا، إضافة إلى وباء حمى الضنك والشيكونجونيا، قد أثر في معدل المواليد وسبب الانخفاض الحاد في عدد السكان.
من ناحية أخرى، شهدت المناطق الداخلية طفرة في البنية التحتية ورفاه. يقول: "حضرت الحكومة وشيدت الطرق والجسور وطورت إمدادات المياه. لقد أغرى هذا كثيرا من الناس بالعودة".
ومن الأمثلة على ذلك لويس إدواردو ماجالهايس، وهي مدينة داخلية تقع على بعد ألف كيلومتر تقريبا من سلفادور. قبل ثلاثة عقود، كانت المنطقة عبارة عن شجيرات مقفرة، وهي اليوم مركز لإنتاج فول الصويا، الذي يتم تصدير معظمه إلى الصين. بين عمليتي التعداد الأخيرتين، قفز عدد سكان البلدية 80 في المائة.
قال أوداسيل رانزي، صاحب مزرعة محلية: "قالوا إن المنطقة لن تزدهر، وإنها بعيدة جدا عن كل شيء. اليوم، غرب باهيا مثال للدولة والبلد. لا أرى نفسي أغادرها إلى أي مكان".

الأكثر قراءة