خبير غير مؤهل
تحدثنا في المقال الماضي عن العجز الإداري أو تحديدا المديرين الذين يفتقدون إلى الحلول الإدارية التي تمكنهم من حل المشكلات، وكيف أن وجود عدد كبير من هؤلاء في كيان واحد مصيره خسارة المنظمة.
تعد هذه المشكلة حينما ننظر لها من زاوية اختيار الخبير الذي نعمل معه مسألة مهمة تستحق النظر، لأنها جزء محوري من الترتيبات التي تحقق المستهدف. الخبير في هذا السياق ليس بالضرورة المستشار الخارجي الذي يحضر لنطاق محدد فقط، فهو الموظف الخبير كذلك. كل موظف لا يقوم بمهام أساسية بسيطة ويمتلك خبرة عمودية في مجال عمله هو خبير في أمر ما، وهناك كثير مما يمنع الاستفادة من هذه الخبرة أو يؤثر بشكل جوهري في قدرة المنظمة على الاستفادة منها.
أبسط الأمثلة هو المدير الفني الذي يفقد توازنه رغم وجود خبرة فنية عميقة بسبب غياب المهارات المساندة الضرورية، مثل مهارات التعامل مع الأفراد والفرق، أو مهارات الإدارة إجمالا. ومن ذلك أيضا المدير الفني الذي يتخصص في مجال ما ويعد حجر الزاوية للمنظمة في هذا المجال، لكنه لا يقوم بواجبه المهني اللازم فيما يخص تحديث معلوماته عن الجديد في هذا المجال. كل منظمة تحتاج المتخصص القانوني، وإن كان هذا المتخصص لا يجيد التعامل مع المنظومة أو يفتقد للقدرات القيادية التي تخص التفاعل مع الآخرين والتأثير فيهم، فهو يقلل من استفادة المنشأة منه في الجوانب القانونية، وربما يعرضها للمخاطر القانونية بدلا من أن يحميها.
هذا القانوني الخبير نفسه يصبح تحديا إن ضخم من إمكاناته المتخصصة أمام الآخرين ولم يقم بتحديث معارفه ومهاراته المتخصصة في النواحي القانونية المرتبطة بطبيعة عمل منظمته. قانوني يعمل في المجال الصحي لكنه لا يسيطر على التغييرات النظامية المرتبطة بحقوق المرضى أو مسائل الضرر الناشئ عن الأخطاء الطبية قد يتحول من خبير قانوني يعتمد عليه إلى مقلب كبير لقيادة المنظمة. نستطيع جر المثال السابق نفسه على الخبير المالي والتقني والهندسي وخبير الحوكمة والمخاطر وخبير الموارد البشرية وقياس الأداء وغير ذلك.
من عناصر ضعف تأهيل الخبراء كذلك المواءمة مع نموذج العمل الحالي وفهمه بشكل دقيق وعملي. الخبير المستشار الذي يحصر سياق عمله في التجاوب مع توصيف محدود للمشكلة بأسلوب المستشار التجاري ولا يربط فهمه وتحليله بالسلوكيات التنظيمية أو طبيعة عمل المنظمة التشغيلية أو نموذج العمل أو ثقافة المنشأة يعطل صنع القيمة المنشود. يحدث هذا الفراغ عادة من الخبراء الذين لا يملكون خبرة ملائمة والخبراء الذي لا يتعلمون بسرعة في حالات اختلاف البيئة والسياق والخلفيات.
التعامل مع هذا التحدي يحدث في مرحلتين، مرحلة استقطاب الخبير ومرحلة الاعتناء به، أي التوظيف والتطوير. تختلف درجة العناية باختلاف المرحلة، وهذا ما يحدد نوع الاستثمار المطلوب. فالخبير المستشار الذي يأتي لنطاق محدد وأمر وقتي لا يمكن العمل على تطويره، لذا ينبغي أن يكون كامل التركيز على عملية الاختيار.
في حالة الخبير الداخلي "الموظف" ينبغي العمل خلال كلا المرحلتين، أن تركز عملية الاختيار والاستقطاب على ما يملكه اليوم من إمكانات وما يستطيع إضافته بشكل مباشر، إضافة إلى ما يمكن تطويره فور انضمامه.
أكبر تحديات التعامل مع الخبراء هي جوانبهم غير المؤهلة التي لا يمكن معالجتها. مثل: خبير قاصر النظر وينظر للأمور من جانب واحد فقط، أو خبير لا يرغب في التعلم أو تطوير نفسه في مسائل خاصة بطبيعة العمل. لهذه الأسباب تعد عملية الاختيار حجر الأساس في التعامل مع هذه المشكلة.
هناك من يضيف آلية التخارج السريعة والعملية لحمايته من التورط مع خبير غير مؤهل. من ذلك تجربة الخبير المستشار قبل البدء الفعلي بالعمل، والتعامل مع الفترة التجريبية للموظف كفترة تجريبية حقيقية. التعامل مع الخبير غير المؤهل يرتبط كذلك بأدوات القياس والتجريب، فالحل دائما أقرب عندما نكتشف التحدي مبكرا وأصعب عندما يتحول الموضوع إلى ظاهرة معقدة ومنتشرة وحقيقة لا يمكن تفاديها.