المحكمة الجينية
لا تستطيع أن تتخيل مدى الارتباط الوثيق بين العلم خصوصا الجيني والجريمة أو العدالة، ولطالما سمعنا عن براعة المحققين، فالدليل قد لا يكون في مسرح الجريمة بل داخل جسم الجاني والمجني عليه على حد سواء.
في 2003 حكم على أم أسترالية تدعى كاثلين فولبيج بالسجن 40 عاما بعد إدانتها بقتل أطفالها الأربعة في واحدة من أبشع الجرائم. وزعم الادعاء أن فولبيج قتلت أطفالها الأربعة الصغار منذ عشرة أعوام بين 1989 و1999 خنقا عندما كانت تمر بفترات من الإحباط، لكن إنكارها ارتكاب الجريمة دفع عديدا من العلماء لدراسة حالتها وجثث الأطفال الأربعة، وكان رأيهم أنها تقول الحقيقة ولم تقتل أيا من أطفالها الأربعة، وبعد دراسة مستفيضة لجينومات الأطفال الأربعة، اكتشفوا أن لديهم عيوبا خلقية في بعض الجينات، حيث تعاني سارة ولورا اختلافا في الجين "كال إم 2"، وهذا الجين يؤثر في الطريقة التي يرتبط بها الكالسيوم بخلايا القلب، وقد ربطه العلماء في دراسات سابقة بعدم انتظام ضربات القلب ومتلازمة موت الرضيع المفاجئ. بينما وجدت أبحاث أخرى أن الصبيين كان لديهما اختلاف جيني نادر آخر في الجين "بي إس إن"، الذي وجد أنه مرتبط بحدوث نوبات صرع قاتلة عند الفئران.
اكتشاف جيني مثل هذا لا يثبت بشكل قاطع كيف مات الأطفال، إلا أنه يشير بقوة إلى أن الأسباب الجينية للوفاة احتمال يعتد به، وذلك ما جادل به 90 عالما في 2021. وفي نظر المحكمة، هذه الأدلة كانت كافية للتفكير مجددا في إعادة النظر في قضية فولبيج.
أطلق سراح كاثلين بعد أن قضت 20 عاما في السجن بفضل جهود العلماء الذين أخذوا حقها بعد أن وصفتها الصحف الشعبية بأنها أسوأ سفاحة في أستراليا. يوضح الدكتور بن ليفينجز، أستاذ القانون الجنائي في جامعة جنوب أستراليا، أن قضية الادعاء ضد كاثلين فولبيج اعتمدت بقوة على عدم احتمال وفاة أطفالها الأربعة في مثل هذه الأعمار الصغيرة لأسباب جينية طبيعية، مدعومة بالاعتماد على قانون ميدو الذي فقد مصداقيته الآن. وقد استخدم قانون طبيب الأطفال البريطاني المتقاعد الآن روي ميدو في قضايا جنائية في المملكة المتحدة، للمساعدة على إدانة عديد من النساء بقتل أطفالهن، وكان نص القانون يقول: "إن وفاة واحدة مفاجئة هي مأساة، واثنتين مشبوهتين وثلاثة تعد جريمة قتل حتى يثبت العكس". اكتشاف جيني كان سبب تحول في مسار هذه القضية، يعتقد أنه سيكون له تأثير كبير في الطريقة التي يسهم فيها العلم في توجيه القضايا الجنائية.